08‏/04‏/2017

أبو الأسود الدؤلي وبنو قشير والطائفية







هناك من يدعي أن الطائفية وليدة التغيير في العراق عام 2003، وهذا خطأ كبير يجب أن لا نقع في شباك من نشروه، وروجوا له، فالطائفية موجودة في مجتمعاتنا الإسلامية منذ فجر التاريخ الإسلامي، وهناك عشرات آلاف الشواهد على ذلك، كلها يندى الجبين لذكرها، لأنها أكثر من مخجلة.
وأنا هنا لا أبغي التكلم عن هدم قبر الحسين(ع) على يد المتوكل العباسي، فقد تحدث ابن الأثير عن هذه القضية الخطيرة بإسهاب في  الكامل في التاريخ، ج5/533، ولا عن مئات الأعمال المشابهة الأخرى، وسأكتفي بالحديث عن قصة أبي الأسود الدؤلي وأخواله بني قشير كأنموذج لأثر الطائفية على الخال وابن الأخت!
قصة الدؤلي وأخواله، رواها عشرات المؤرخين، ومنهم الأميني في كتابه أصحاب أمير المؤمنين والرواة عنه، ص307. 
تقول القصة: كان أبو الأسود الدؤلي نازلا في بني قشير، وكانوا يبغضونه لحبه عليا (ع) ويرمونه في الليل بالحجارة، فإذا أصبح، شكي ذلك، فقالوا: ما نحن نرميك، ولكن الله يرميك، فقال: كذبتهم، فلو رماني الله ما أخطأني. وكان القفطي قد قال في إنباه الرواة على أنباه النحاة، ج1/ص52: وكان أبو الأسود الدؤلي من المتحققين بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) ومحبته وصحبته ومحبة ولده، وشهد معه الجمل وصفين وأكثر مشاهده.
لقد أثرت هذه الحادثة في أبي الأسود، وزرعت بينه وبين أخواله عداء وكرها شديدا، فكان يقول لأخواله بني قشير؛ مثلما نقل القفطي:
يقول الأرذلون بنو قشير
طوال الدهر لا تنسى عليا
فقلت لهم وكيف يكون تركي
من الأعمال ما يجدي علَيَّا
فإن يك حبهم رشدا أصبه
ولست بمخطئ إن كان غيا

وعليه أرى أن الطائفية تمكنت من جميع فرق الإسلام بلا استثناء بفعل الفعل والفعل المضاد له، المساوي له بالمقدار والمعاكس له بالاتجاه. ويجب أن تكون البداية من هناك، من نقطة الشروع، لتغليف جميع تلك الأخبار والروايات وحجبها عن الرؤيا قولا وفعلا، لكي نحجب رؤيتها عن أعيننا وعقولنا. ومن ثم البدء بالكتابة من نقطة الصفر، فنحن أبناء القرن الحادي والعشرين، ومن العار أن نبقى محبوسين وعالقين في أجواء تاريخ غائر في القدم كان السبب في تفريقنا وتباعدنا عن بعضنا.

وأعتقد أن الفرصة متاحة اليوم أكثر من أي وقت آخر، بل إن أي تأخير في ذلك سيجعلنا نعضض أصابع الندم؛ هذا إذا ما كنا لا نزال على قيد الحياة مع كل هؤلاء الأعداء المحيطين بنا، أو كانت أصابعنا لما تزل في مكانها لم يقطعها التطرف أو الإرهاب أو التكفير، أو قصف صواريخ الأعداء!