مقال فانتازيا نشرته في 21/6/2014
نشيج مكثف بطعم القهر
من فانتازيا الواقع المر تولد الحيرة،
حيرتنا الأبدية، فتأتي الكلمات بلا رابط، ولا فكرة، لتعبر عن هشاشة موقفنا لا أكثر.!
تموت الأحلام حينما يشعر الإنسان أن تاريخ عشرة آلاف عام ممكن أن يتحول في لحظات
عبث فوضوي إلى مجرد تفاهة، وثقافة عشرة آلاف عام إلى مجرد سخافة، وقيم عشرة آلاف عام
إلى مجرد خزي، وتوهج عشرة آلاف عام إلى دجى مظلم، وآدمية الإنسان إلى توحش، وخاتم أديان
الإنسان إلى قانون للذبح والجزية وشريعة نكاح الإماء وقانون الموالي في عصر الحرية،
ثم يجد كل ذاك ممهورا بختم الله أكبر.!
مذ كنت أحبوا على مدارج الحياة وإلى أن
صرت قاب قوسين أو أدنى من الممات كانت الأحلام تشرك شهقتي وزفيري، تنمو في حذافيري،
تقاسمني أحافيري، تراودني عن نفسي، تهدهدني، تعدني أنها لابد تلقاني، وتصبح ورد بستاني،
ولم أسأل لا بأين ولا بكيف ولا متى يصدق الحين، فذلك ما لا أعرفه، ولا أبيحك سرا إذا
ما قلت لم يحدث إلى الآن، لكني من شدة حرصي، لا زلت بعد الستين أركض خلف أحلامي، لأنها
تناغيني وتغريني، أشعر بسخونة أنفاسها على رقبتي، وكأنها تحضنني، أو تمشي في شراييني،
وفي أسوأ تقدير، تتقدم علي بخصلتين وشهقة عطر مجنون، أشعر أحيانا أنها أقرب إلي مما
أعتقد، وحين أمد يدي لأمسكها تتلاشى كسراب بقيعة لا يحسبه الظمآن ماءً بل كأس خمرٍ
تحلله الشرائع.
في زمن العهر العربي الضائع، تضيع
أحلامنا الوردية، في صحرائنا المتوحشة، في زحمة الضوضاء يقتلها الصخب، تمسخها الفوضى،
تصادرها حضارة التخلف وسنن الأجداد البالية، وما بقى ليّ من مواريث البداوة وكل سنن
الغزو والشقاوة التي علمتني كيف أذبح .. كيف لا أمزح لا أفرح، لكنها علمتني بعد الستين
كيف أنكح! كيف أصادر صبايا الحي باسم الله في عصر إماء الله أكبر.
يدهشني أني حتى بعد الستين أبعد عن حلمي
خطوة طفل وربما خطوتين، لكن لا أي خطوة، وإنما فقط خطوة طفل "حسين" ذاك المذبوح
بسهم في الميدان، لأنه تجرأ وطلب من السلطان قدح ماء ساخن يطفئ به المداخن، مداخن الذبح
الأرعن الذي سود وجه التاريخ.
متى تتحقق الأحلام إذاُ؟ بعد الموت مثلا؟
وهل يحلم الأموات؟ هل للأموات آت ونبض حياة؟ إذا كان الأحياء بلا نبض بلا ناموس أو
عرض بعد أن صادره "الثوار" أبناء النكسة والعار.
أحاول أن أقنع نفسي لا بأس فما دمتُ أراه
هناك في الأفق كحمرة الشفق، سأبقى أشعر أنه حقيقة، وانه موجود، فالمهم أني احلم، ومن
المهم أن تحلم أنت أيضا، شيء مريع أن لا يكون لك ما تحلم به، ما تسعى إليه، ما تحلم
من أجله، والأكثر تعاسة ولا خيبة من أن تكون بلا حلم.!
من دون حلم ممكن أن تتعثر وتسقط، ولا تجد
من يمد لك يد المساعدة، أما الحالم فحينما يتعثر تتعثر أحلامه أيضا فتسقط عليه، وتمسكه
ويمسكها، ويشعر بملمس فروها الناعم؛ المصنوع من خيوط العمائم المزيفة التي تذبح باسم
الله الكبر.
من يدري.! فالحلم مجرد أمنية ممكن أن لا
تتحقق، وممكن أن تتحقق بالصدفة ولا وزن لقول: وما نيل المطالب بالتمني فكم من أمنية
تحققت. المهم أن تحلم، وأن احلم معك، ويحلم معنا الجميع، نحلم بغد أعرف فيه نفسي، وتعرف
فيه نفسك، وتعرفني وأعرفك، ونعرف بعضنا بعضا، ونعرف أهلنا، ما دام الحلم هويتنا، وثق
أننا لا يمكن أن نعيش بدون حلم، فالحلم حاجة، الحلم مثل الشرف المسفوح في شوارع العراق،
مثل الهواء، نحتاجه جميعنا لكي نعيش، حتى ولو لم يتحقق، يكفي في دنيا الرماد أن يكون
لك شيء أزرق، يكفي في دنيا الأموات أن يكون حلمك حيا حتى لو كان حلما أخرق!.