26‏/06‏/2019

بين نهرين نهر ثالث





بعد فراق المجلات التي كانت تسعد لحظاتنا أيام شبابنا بما فيها المجلات المتحزبة مثل ألف باء والأقلام وآفاق عربية والثقافة الجديدة، والمجلات الترفيهية مثل طبيبك والشبكة والصياد؛ لم تعد لي رغبة بمتابعة ما يصدر ولاسيما وأن كل ما يصدر وكل ما يدخل إلى البلد كان مخصصا لتمجيد الطاغية والإشادة بحزبه، ولذا حلت المقاطعة محل ذلك الوئام الكبير، إلى أن سقط النظام، وسقطت معه تلك الفوضى الممؤسسة لتحل بدلا عنها فوضى خلاقة وفوضى فوضوية بدأ الخلاف بينهما منذ اللحظات الأولى، وتسبب الخلاف بولادة أنواع جديدة وأعداد جديدة من المجلات التي كانت تتهاوى باستمرار لتولد بدلا عنها مجلات جديدة أخرى. باستثناء الزمن الأول لما بعد التغيير والمتابعة غير المنتظمة لبعض ما كان يصدر، عادت القطيعة بيني وبين جميع الصحف والمجلات، ولم أعد أتابع ما يصدر منها، حتى أني لم أعد قادرا على تمييز الحسن من القبيح منها أو اجراء المقارنة بينها لأني لا أعرف ما الموجود على الساحة منها.
وقد شاءت المصادفة أن ألتقي رئيس فرع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في واسط الذي أهداني نسخة من مجلة "بين نهرين" التي تصدرها شبكة الإعلام العراقي في بغداد، فأخذتها منه احتراما لكرمه لا أكثر وحملتها مع ما كنت أحمل من كتب، وحينما وصلت البيت بدأت بتصفحها على استعجال، نتيجة حكم مسبق يدور في مخيلتي أن لا مجلة عراقية تستحق المتابعة، لكن وأنا أقلب أوراقها بدأت الصور تتنوع أمام ناظري، فخففت من سرعتي، وبدأت أقلب الأوراق بتروٍ وأتابع المكتوب، وهذا دفعني لأعود إلى بداياتها، إنْ لم يكن من الغلاف، فمن صفحة علامات فارقة وتلك اللوحة الكاريكاتيرية المنتقاة بعناية وقصدية، لأجد بعد ذلك سيلا وافرا من المعارف والعلوم والأخبار والوقائع والدراسات والقصص والصور الملونة الرائعة تتزاحم لتجد لها مكانا في هذا الحقل البهيج، وقد شدني ذلك الألق الذي تتميز به والروعة التي بدت عليها، والمعلومات الخفيفة التي تدغدغ العواطف، ليعيدني إلى حقبة أيام الشباب يوم كنت أتأبط مجلاتي العزيزة، فشعرت وكأن إحداها عادت لتحط بين يدي كعصفور هده السفر، وأفرحه أن يجد في قلبي موطنا ليبني لنفسه عشاً دافئً بعد طول سفر.
أشد على أيدي كل من ترك لمسة مهما كانت بسيطة على مجلة بين نهرين ماغزين في عددها 121 الصادر في شهر حزيران 2019 فهي حقا كانت مجلة ثقافية عامة، وتستحق أن تحمل هذا التخصص بفخر التاريخ الصحفي العراقي، لأنها لخصت تجربة إصدار المجلات العراقية كلها بين دفتيها!.