30‏/04‏/2020

لقاء صحفي



لقاء صحفي
تحت عنوان "لقاء مع مثقف" نشر الأخ الأستاذ علي حسين الخباز هذا اللقاء الصحفي العابر الذي أجراه معي منذ مدة، والذي نشره في صحيفة صدى الروضتين التي يشرف على رئاسة تحريرها.
شكرا لك صديقي
الدكتور صالح الطائي: "نحتاج اليوم اعادة ونشر أثر النص المقدس، لكن ليس الذي صنعته السياسات، بل اثر النص المحمدي الرسالي"
حاوره: علي الخباز
 ليس بيننا صحفي، ليكون لدينا لقاء صحفيا، وإنما هي زيارة عابرة للدكتور صالح الطائي الى جريدة صدى الروضتين، ولوجود العلاقة المعرفية تحولت الضيافة الى حوارية ممتعة..
- مفهوم الهوية في ظل ثقافة الانفتاح؟
 كانت الناس تسعى لتجد جوهرها في مفهوم الوطنية من حيث وجود الدعم المعنوي والفكري واللوجستي الذي كانت الناس تجده في الهوية.. ولذلك كانت الأمور متشعبة، هناك هوية كاملة، وضعيفة، وهوية بنبرة عريضة جدا هي الهوية الوطنية، مثلا الهوية القومية، والهويات كل مجموعة ترفع شعارا وحتى مشجعو كرة القدم، مفهوم الهويات تغير وبدأت تتأسس هويات أخرى عابرة للقارات، نتيجة التبدل السريع في مفهوم الهوية، ستكون الهويات المستقبلية غير الهويات السابقة، سيكون هناك أنموذج جديد للهوية غير تلك التي عرفناها.
- بما فيها الهوية الدينية؟
 بدأت الهوية الدينية تتفتت للكثير من الأسباب، لو نأخذها على مستوى العراق فشل الإسلام السياسي في تحقيق الغايات التي كانت معقودة عليه، ضعف المرتكز الثقافي لدى الناس، ضعف دور الهوية الدينية، هناك انكفاء عن القراءة، ووجود العطالة والبطالة مع وجود الفساد، ارتفاع الأسعار قلة المداخيل والموارد، هذه كلها بدأت تؤثر على نفسية المنتمي للهوية، فأرى أنه لابد من وجود تناغم فكري وإلا سنجد الهويات في ورطة، وخاصة ان التثقيف للمد العلماني اليوم كبير، مشروع انتقاد الهويات بينما بعض المشرفين على المؤسسات الدينية لم يتماهوا بعد مع المشروع، مع مناغمة عواطف الشباب، الان المواد الثقافية والفكرية ترتكز على علماء النفس وعلماء الاجتماع والاقتصاد والفلسفة والسياسة الغربيين للاستحواذ على اهتمام الشباب ومثل هذه الكتب ستجد تجاوباً.
- يعني اننا تحولنا من الصراع الفكري الى دور النزاع العقائدي؟
 لازال الصراع مستمراً، ولم يصل الى النزاع، الصراع يكون بتواجد طرفين او اكثر، في حال النزاع لا ينتهي إلا بانتهاء احد الطرفين، وما نمر به الآن هو تحول القضية من مشكلة داخلية بين المؤمن واللامؤمن بين العقائدي واللا عقائدي الى اشكالية، والمشكلة تعد أمرا داخليا، لكن الإشكالية واسعة منفتحة تدخل عليها أطراف أخرى وتبدأ تطول، فتتشعب الأمور وتفلت من اليد.
- البعض يشيع قضية الانغلاق في المدرسة الدينية، نحن من خلال التجربة عرفنا ان الانغلاق الحقيقي هو علماني، العلمانيون هم الذين لا يريدون ان ينفتحوا على جوهر الاصالة التي يطالب بها الإسلاميون؟
 هذا هو الذي انا اقصده، المؤسسة الدينية لابد ان تفهم لغة العلمانيين، وتتكلم بها، لم تعد الأساليب النمطية التقليدية مقبولة اليوم، وهناك من يعرض عن سماعها لأنه يراها لغة أخرى غير تلك التي يعرفها ويتكلم بها..
- يعني كيف تفهم لغة العلمانيين، هل نتنازل عن الاصالة مثلا، نترك لهم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، الان العديد من الأطراف المذهبية يريدون منك ان تتخلى عن بعض الثوابت ليتعايشوا معك، وهم لا يتخلون عن أي ثابت من ثوابتهم، بمعنى ان عليَّ أن اقدم لهذا المشروع التنازل الكامل عن هويتي دون الحصول على مكسب؟
 نحن نتعامل مع طرفين موجب وسالب، الموجب هو الطرف الذي كنا نتعامل معه وهذا نبقى على اسلوبنا معه، وعلى منهجنا الفكري، نبقى نتعامل معه بفكر اهل البيت (عليهم السلام)، بالقرآن الكريم وبالحديث وبكتب التأريخ الموثوق وغير الموثوق وغيرها. والطرف السالب هو الطرف العلماني، لديه موقف جديد حول الاطروحات الدينية، ولذلك أتمنى ان تكون أطروحاتنا قريبة الى فكره من دون أن نصبغها بصبغة دينية على أن لا نفرغها من جوهرها الديني، حتى نستطيع ان نصل الى نتيجة تحقق لنا لقاء، اذا وصلنا الى اللقاء ممكن في ذلك الوقت ان نستند الى الدين كمصدر مرجعي مثلما يستند هو إلى مصادره المرجعية.
 بعض الباحثين، يرى أن القرآن الكريم أخذ من الاساطير اليهودية وأعاد صياغتها، يفكرون بهذا الشكل، وإذا اعتبر القرآن الكريم اساطير فكيف سأنقاشه، لابد ان اثبت له أولا ان الأديان حقيقة وليست خرافة، ولكل دين خصوصية، وهي ليست عملية اكتساب واقتباس روح دين من روح دين آخر، اذا اوصلته لهذه الحقيقة ممكن ان أتكلم معه في الاسلوب العام الذي أتكلم به مع الآخرين، ممكن ان نصل الى زعزعة موقفه، فهم ليس عندهم الثبات الذي يدعونه، موقفهم تعصبي متزمت وليس عقائديا، سرعان ما يتخلون عن مواقفهم الحساسة، يريدون ان يعوضوا خسائرهم.
- اشعر انك تريد ان تقول: إن العلماني هو غير سوي، المحاورات التي تجري في مهرجانات ربيع الشهادة والرسالة وبقية المهرجانات في العتبة العباسية المقدسة تطرح نقاشات من صلب الموضوع، في حال أرى العلمانيين لديهم أشياء مبيتة تعاد في كل محفل ومؤتمر وجلسة هي هي حتى صرنا نتوقع ما يطرحون؟
  أحسنت، بالتأكيد، لكننا لا نقدر أن نقول له انت غير سوي؛ لكونهم سيتحسسون من الكثير من الكلمات، نقول مثلا إن للعلماني تفكيره الخاص، وعلينا أن نتنامى معه لا لنحتويه بل لنقيم أسسا للتعاون الفكري المثمر بيننا؛ لأن العلمانيين لا يمتلكون المرونة الفكرية، فلديهم برامج معدة مسبقاً يسيرون عليها وعددها قليل جدا بحيث لا يمكن لها استيعاب المتغيرات الموجودة حاليا، ولهذا يتعصبون ولا يستطيعون أن ينفتحوا اكثر، ليست لديهم سعة فكرية، وربما لهذا السبب بدأت العلمانية تنهار.
- مشكلتنا ان ارثنا المعرفي أرث اهل البيت (عليهم السلام) اكبر منا، هل نحن عجزنا عن احتواء الإرث المقدس أم علينا ان نتنازل عن بعض هذا الإرث؛ لكي نتساوق مع المتطلبات الانية؟
 الخلاف السياسي الأول الذي حدث بين مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) وبين المدارس الأخرى، بدأ بعملية منافسة، هي المنافسة بين مذهب اهل البيت (عليهم السلام) وبين المدارس الأخرى، وحينما بدأت عملية منافسة، اعتمد مذهب اهل البيت على 90% من أسسه على مسائل أصولية ثابتة ودخلت نتيجة الاندفاع 10% غير ثابتة، واعتمد الآخر 10% قضايا غير ثابتة، و10% قضايا ثابتة، ضاعت بين عدم الثبات، نحن مذهب أهل البيت نستطيع ان نتخلص من غير الثابت؛ لكونه لا يؤثر على منزلة اهل البيت (عليهم السلام)، وهناك خلط مذهبي لمدارس لها مسميات قريبة عن انتمائنا، ولها طقوس حسبت علينا زوراً وبهتاناً، والحسين (عليه السلام) هو اكبر من كل القضايا.
- كيف سنتساوق وعندنا الحسين (عليه السلام) بما يمتلك من قدرات العصمة لديه فكر رسالي، وفكر إلهي، كيف نعادله بجيفارا او غيره مثلاً؟
 في كتابي عن الامام الحسن العسكري (عليه السلام) رأيت لديه معجزات كثيرة، تجاوزت عنها ليس لعدم اعترافي بها، لكني رأيت انها لا تضيف لهذه الشخصية العظيمة شيئا، وهو بدونها أعظم وأكبر وأجل قدرا.
- المشكلة انا ورثنا واقعة مأساوية وردت تفاصيلها من شهادات الخصوم انفسهم، اليوم هناك دبلجة تضاف من النواصب لتشويه وإهانة الشعائر الحسينية، نحن اليوم نفكر في مسألة أعمق نسعى من خلالها الى تجفيف منابع الفكر الإرهابي؟
 الحروب سابقا كانت تُجرى بإدارة السيف، التوجه المعاصر للفكر العولمي ركن السيف على جهة وبدأ بالحرب النفسية، فالهزيمة النفسية هي التي تجعل الشعوب تنهار، حروب العراق، سوريا، ليبيا، اليمن، هذه جميعها حركات مدعومة من قبل الماسونية، ومن القوى العظمى التي استعاضت بالفكر التدميري عن السيف، وهي التي تمد الإرهاب، على مستوى العراق، نجد البترول والكبريت والفوسفات واليورانيوم القار اضافة للزراعة، وبعد الرجات التي حصلت صار الاستكبار العالمي يسعى إلى ان يمسك المفاتيح بيديه، لذلك لابد من ان يخلق فكرا تنافريا يبثه بيننا، لذلك أرى أن الفكر الإرهابي لن ينتهي ولن يخسر الحرب إلا بتماهينا الجاد مع فكر الشباب، وتحديث الخطاب، وإبعاد الخطاب المأزوم المشدود والخطاب الحدي، دون ان نتنازل لأحد عن ثوابتنا، نستعمل الكلمة الناعمة؛ لكي نحصنهم من الانجراف، اجعل الشباب يتفاعلون معنا؛ لأن هناك ربما صفحات مستقبلية لا نعلمها وآخرها استفتاء كردستان، لا يعرف الشباب كيف يتعاملون معها، وألا لماذا جاء الاستفتاء في هذا الوقت بالتحديد..؟
 الإرهاب عندي هو كل عمل يحاول ان يخلق أزمة مع الآخر، سأروي لك حكاية احدى فصائل الحشد الشعبي رفعت راية حسينية على سارية الكنيسة فاشتعل الفيسبوك، عندما رأت هذه الوحدة هذه الاعتراضات الاحتجاجية، أنزلت الراية، هذا النزول أثبت للعالم ان نزول الراية ليس استسلاما للضغط بقدر ما هو كبرياء للراية نفسها، ونحن لا نريد ان نخلق ازمة، وانما انتم أيها المعترضون من تريدون خلق الازمات، نحن بعيدين عن السلطة، وكانت الحرب ضدنا متنوعة الأساليب منها حاولوا توجيه جماعات لبث فكر مزيف على أساس انه لأهل البيت (عليهم السلام)، فنحن لا نتنازل يوما عن اصالتنا، لا نتنازل عن ثوابتنا، لا نستطيع الغاء وجود الامام الثاني عشر (عجل الله فرجه الشرف) إذا فكرنا مجرد تفكير بإلغائه نخل بنظرية الامامة كلها، هذا ثابت، نحن نتحدث عن تنقية ما ادخل الى المذهب عبر تلك الجماعات المبتدعة، فالمذهب في جوهره سليم ونقي.
 - نتحدث كثيرا عن الآخر واحتواء الآخر ومحبة الآخر، في حال هو لا يريد ان يرانا، فكيف نحتويه وهو لا يجلس إلى مائدة حوار، لا يعترف بمذهب لا يريد ان يتحاور على مسألة، حتى المحاورة يعتبرها مؤامرة على دين اهل الجماعة، كيف سنتحاور؟
  "شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا"، لذلك نحن لا نؤمن بالتبشير، وما ذهب فريق منا لكسب جموع من السنة الى التشيع؛ لأننا أهل فكر، العقل جزء من احكامنا الشرعية، استنباطاتنا الشرعية العقل، غيرنا يستخدم القياس ومن خلال العقل ممكن ان نصنع أشياء كثيرة علاقات على الفيس مع شخصيات عالمية مهمة أعلنت تشيعها عبر الحوار، وإذا بهم بعد ذاك التشدد يطلبون منا الدعاء تحت قبة سيد الشهداء (عليه السلام).
 كاتبة من المغربِ ومن تطوان تحديدا شجعتُها على ان تلتزم بمظاهر هذه المدينة رغم تشيعها، فاستغربتْ مني عندما فضلتُ مجتمعها على مجتمعات الخمر والتيه، فبينت لها انهم مسلمون ملتزمون رغم الاختلاف في فهم الإسلام الحقيقي بيننا، وهم بكل الأحوال أفضل من غيرهم وأفضل من الثقافات الوافدة الأخرى، وأكدت عليها أنه لابد من التحاور والتعايش بين المسلمين والمجاملة التي لا تمس الثوابت.
- يرى بعض المفكرين أن عجز المنظومة الفكرية عن التعايش الاجتماعي والإنساني يرفع من درجة جلد الذات؟
  يقال إن الهدهد حينما غاب عن سليمان (عليه السلام)، سأل عنه وامتعض من غيابه بدون أذن، فقال: والله لأعذبنه عذابا لم يُعذب به احد، سأله وزيره: وهل هناك عذاب لم يعذبه احد في التأريخ قال:ـ لأسجننه مع قوم من غير جنسه..! المفكر يعيش مع غير جنسه، ومن هنا تأتي مأساة التأريخ، ويأتي جلد الذات كأن المفكر يريد ان ينتقم، ولكنه يؤذي نفسه ولا يؤذي المجتمع.
- المشكلة انهم يعملون على نفس الجذور التي نعمل عليها، لكن لديهم النص يسير على حساب المساحة المخصصة للحوار؟
  الفكر السياسي العربي كان موجوداً قبل الإسلام استطاعوا ترويضه بعد إسلامهم ليتعايشوا مع المجتمع الذي فرض عليهم آليات جديدة، حينما تعرضت مكة لأزمة مالية كبيرة، تحرك عمر بن لحي وهو تاجر وسياسي، واقنع اهل الجزيرة بأن يأتي كل واحد منهم برب قبيلته (الصنم) الذي يمثلهم ويضعونه في مكة؛ لتكون تلك الاصنام مركز جذب، وفعلا استطاع بفترة قصيرة ان يجمع 360 صنما، وحينها بدأت الوفود من كل الجزيرة العربية تأتي مكة لزيارة أربابها والحج، وبعدها يممت القوافل وجهها صوب مكة، فرجع عمر بن لحي ذلك التاجر السياسي الذي يتحكم بالمال والأحداث بعدما بدأ يستوفي العشور من تلك القوافل.. اذن، السياسة كانت موجودة وكانت لها سطوة وحكم. وبعد هذه المرحلة برزت أدوار كثيرة لسياسيين آخرين ومن ضمنهم الامويون، ابو سفيان، معاوية، هؤلاء في سياستهم حاربوا الإسلام لغاية سنة خمس للهجرة وفي حساباتهم انهم سينتصرون، لكنهم عندما وجدوا ان موقف الإسلام أقوى منهم وانه سينتصر، غيروا منهجهم، ولم يغزوا ولم يحاربوا النبي (صلى الله عليه وآله) وبقوا ينتظرون الفرص المناسبة، وحين جاء عام الفتح سماهم النبي (ص) الطلقاء، وبعد وفاة النبي (ص) ترك جثمانه في بيته يومين كاملين بلا دفن لا حبت ببقائه أطول مدة بينهم وإنما لأنهم كانوا منشغلين بسقيفة بني ساعدة، ليتبايعوا على حكم الامة..!
 هؤلاء السياسيون بعدما سيطروا على حكم الامة، وجدوا أن هناك قاعدة شرعية تدعمهم، الدين يقول: إن الإمام علياً (عليه السلام) هو الخليفة، تجاوزوا على علي بن طالب (عليه السلام)، وبدأوا يبحثون عن الشرعية، وهذه الشرعية أدت الى توظيف كادر كبير جدا لسلخ العقيدة من جوهرها، وإعادة صياغتها، وتسويقها للناس على أساس انها الإسلام.
 في سنة 41 هجرية بدأ تسويق الإسلام السياسي وليس الإسلام المحمدي، الإسلام المحمدي حجر عليه، بدأ الإسلام السياسي يقود الأمة، واحتاج هذا الإسلام الى إعادة تفسير الآيات القرآنية بما يتناسب مع منهجيته ومفهومه ورؤاه، فولد علم التفسير البراغماتي، والأحاديث النبوية حرفت وحجر على الصحيحة منها. القرآن نفسه أخضعوه إلى مشارطهم بحجة الناسخ والمنسوخ، فغيروا الأحكام وأدخلوا أحكاما جديدة من خلال أكثر من 1440 عملية نسخ تحدثوا عنها. ولذا أرى أننا نحتاج اليوم إلى اعادة استيضاح وتفكيك النص المقدس ونشر نتائج دراساتنا ليطلع عليها الناس، لكن ليس النص الذي صنعته السياسة، بل اثر النص المحمدي الرسالي السماوي الذي تتفق عليه المذاهب غالبا مع قليل من سوء الفهم.