01‏/04‏/2016

تأسي المرأة المسلمة بمنهج السيدة الزهراء(ع)

لم تكن السيدة الزهراء مجرد امرأة عابرة في التاريخ، فهي كيان إلهي جعله الله أنموذجا للعبد الصالح، يقتدي به الرجال قبل النساء، يتعلمون من حياته ومماته دروسا وعبرا تنفعهم في بناء منظومات حياتهم.
ولكننا لم نلتفت كثيرا إلى ما قدمته السيدة الزهراء للمجتمع، لم نلتفت إلى هذه المدرسة الجبارة التي لم تُخَّرِج جيلا واحدا فحسب، وإنما خَرَّجت أمة كاملة، وبنت مجتمعا كاملا وحفظت دينا كاملا، ولا زال دورها فاعلا إلى اليوم.
لقد كانت سيدتنا الزهراء خير ممثل للمشروع الإسلامي، ونجحت في ترجمة تعاليم الإسلام إلى عمل تربوي بنائي لا زلنا نلمس بركاته، حينما رسمت صورة للمرأة التي أرادها الإسلام، فمما لا شك فيه أن الإسلام أعاد بناء المرأة على صورة المكانة التي أرادها الله لها بعد أن سلبتها الشعوب والأمم والحضارات كل ما لديها وحولتها إلى ملهاة لا أكثر، فعطلت قدرات نصف البشرية.

لقد أفاض المؤرخون في حديثهم عن حال المرأة في حضارات العالم القديم وصولا إلى العصر الجاهلي العربي، وتحدثوا عن حياة الذل والمهانة والقهر والاستلاب؛ التي كانت المرأة تعيشها.
قبالة ذلك، وبعد هذا التاريخ، حدث الضد، ووقع الانقلاب الجذري، حيث أفاض القرآن والسنة في حديثهما عن المرأة، فرسما صورة لسمو مكانتها وعظيم دورها في المجتمع، ومنزلتها في الأسرة، وحقوقها وواجباتها.
إن المشروع الإسلامي بُعد حضاري، ولا يمكن لمشروع حضاري أن يعطل طاقات جنس من أجناس المجتمع لأي سبب كان. ولهذا السبب كان الإسلام ولادة ثانية للمرأة، تختلف كليا عن ولادتها الأولى.
إن الحديث عما أعطاه الإسلام للمرأة يطول، ولذا اكتفي بالقول: إن المفسرين اجمعوا على أن كل خطاب قرآني يبدأ بـ(يا أيها الذين آمنوا) (يا أيها المؤمنون) (يا أيها الناس) (يا عباد) (يا أيها بالإنسان) موجه إلى الرجل والمرأة على السواء، لأنهما الأساس الذي بني عليه الوجود البشري، كما في قوله تعالى: {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}.
وما يمكن استخلاصه أن العقيدة الإسلامية تذهب إلى أن المرأة والرجل يتحملان المسؤولية مناصفة، لهما تقريبا نفس الحقوق وعليهما تقريبا نفس الواجبات، لا فضل لأحدهما على الآخر، إلا في حدود، بمعنى أن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة من حيث الكلية، وميز بينهما من حيث الجزئية، لأسباب أسهب العلماء في الحديث عنها يمكن مراجعتها في مواطنها.

لقد وجد المشروع الإسلامي من اعترض عليه بسبب العادات والمواريث البدوية القديمة؛ التي كانت تمتهن المرأة، ومن هذا المنطلق جاءت أحاديث النبي الأكرم لا لتبيان منزلة المرأة فحسب، وإنما لحث المجتمع على الالتزام بواجباته تجاهها، وكان رسول الله في تعامله مع فاطمة الزهراء يترجم تعليمات الإسلام إلى عمل، ثم أردف عمله بأقوال تبين لهم ولنا كيف يجب أن نتعامل مع المرأة
فمن حيث تبيان المكانة والمنزلة جعلها رسول الله خير متاع الدنيا، فقال: ((الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة)) ومثله: وقال: ((وإنك لن تنفق نفقة ً تبتغي بها وجه الله إلا اُجِرتَ بها عليها حتى ما تجعل في فم إمرتك)).
ومن حيث الحث على احترامها وتقديرها؛ لا أجمل من قوله: ((رفقاً بالقوارير)) الذي جاء مقرونا بأحاديث أخرى، مثل:
((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خيارهم لنسائهم، وألطفهم بأهله)).
وقال: ((استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم، إن لكم عليهن حقا، ولهن عليكم حقا))
وقال: ((إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم))
وقال: ((أكمل المؤمنين أيماناً، وأقربهم مني مجلساً، ألطفهم بأهـله))

لكن مع وجود هذه الوصايا والأحاديث كان هناك من تمرد وخالف، ولم يستوعب مسألة المساواة بل لم يقبلها، واعتبرها إهانة لرجولته.
وإن كان هؤلاء قد عجزوا عن القيام بشيء في عصر البعثة، فإنهم بعده ولاسيما بعدما تمكنت السياسة من الهيمنة على الدين، تمردوا على تلك الوصايا الخالدة مع بداية عصر توسع الفتوحات؛ الذي تسبب بدخول تلك الأعداد الهائلة جدا من نساء السبي، وانتشارهن في بيوت المسلمين؛ وما تبع ذلك من تغير سلوكي، وانفتاح على الدنيا، وبحث عن المتعة.

في هذه الحقبة الخطيرة، نسي المسلمون أحاديث نبيهم، ثم وبجرأة كبيرة، خالفوها، وعملوا بالضد منها. وحينها انتكست حال المرأة، وفقدت مكاسبها التي حققها لها الإسلام، وعادت إلى عصر العبودية والذل، ولاسيما بعد أن جاء المعترضون على النهي النبوي بأحاديث مكذوبة، تشجع على ذلك، ونسبوها إلى رسول الله؛ مثل قولهم: ((النساء ناقصات عقل و دين))
وقولهم: ((لو أمرت أحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها))
وقولهم: ((ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))
في هذه المرحلة جاءت ابنة الزهراء وتلميذتها النجيبة السيدة زينب لتذكر الناس بدينهم. وتذكرهم بأصول عقيدتهم. ونجحت في ذلك زمنا، ثم سرعان ما نسوا، فأحدثوا مخالفات صريحة لما أوصاهم به النبي... النبي أوصاهم بأن لا يمنعوا النساء من الذهاب إلى المساجد، بقوله: ((لا تمنعوا نسائكم المساجد، وبيوتهن خير لهن))، والنبي أجاز للنساء أن يخرجن ليتابعن حاجاتهن الحياتية والمجتمعية، كما في حديثه: ((قد أُذن أن تخرجن في حاجتكن))، ولكنهم، جاءوا بأحاديث غريبة تمتهن المرأة وتسلبها إنسانيتها، مثل روايتهم لحديث يدعون أنه نبوي: ((لا تعلموهن الكتابة، ولا تسكنوهن الغرف، وعلموهن سورة النور)). وحديث: ((لا تعلموا نساءكم سورة يوسف، ولا تُقرِؤوهن إياها فإنّ فيها الفتن))

هنا، عند هذه النقطة، بلغت المصادرة ذروتها، فحرمت المرأة المسلمة حتى من ختم القرآن، ومن تعلم بعض سوره العظيمة، وهذا أمر لا يستقيم أبدا، ولا يمكن الاعتقاد بصحته بالمرة؛ لأنه مخالف لنواميس الحياة كلها وليس لتعاليم الدين الحنيف وحده.
لقد تركت هذه المبتدعات أثرها على المرأة المسلمة في العالم الإسلامي كله، ومنه العراق، وسلبتها جميع حقوقها، فعطلت نصف المجتمع، وحولته إلى كيان مهمل لا دور له في الحياة إلا توفير المتعة للرجل السيد.

استمر عصر الاستلاب الفكري زمنا طويلا، تمكنت خلاله بعض النسوة من كسر قيود هذه القواعد فتركن بصمة لا يمكن نسيانها، ولكنهن كن عددا ضئيلا من بين ملايين النساء المسلمات مسلوبات الإرادة.
ثم منذ أواسط القرن العشرين فصاعدا؛ عشنا طور الانفتاح على الثقافات الأخرى، وعايشنا التحضر تأثرا بالحضارة الغربية وقيمها الوافدة، وبعد التغيير الذي حصل في العراق عام 2003، وجدنا أنفسنا نعيش مرحلة صراع شديد بين الموروث المجتمعي، والنص المقدس، والسنن المجتمعية من جانب، وبين متطلبات الحياة المعاصرة بكل ما تمثله من تحد؛ من جانب آخر، بما بدا وكأنه صراع بين الحضارة والدين.
فضلا عن خوضنا لصراع آخر بين القيم والعقائد الموروثة، وبين قوانين الأمم المتحدة ومؤسساتها، منها على سبيل المثال اتفاقية "سيداو" ومؤتمر بكين وما تلاها من قوانين ونظم؛ وهي قوانين ملزمة واجبة التطبيق لا يمكن لأي دولة أن تمتنع عن تطبيقها ما دامت قد صادقت على الاتفاقية الخاصة بها، مع أن في بعضها خروج على جميع القيم والسنن التي نؤمن بهان.
وفي خضم هذا الصراع المرير، برزت إلى الوجود تلك النظرة القاصرة التي ينظرها العالم الآخر للمرأة المسلمة باعتبار أن الإسلام هو الذي سلبها حقوقها، ورفض الاعتراف بوجودها، بما وضعنا أمام مسؤولية تاريخية لا للدفاع عن الإسلام وحده وإنما للدفاع عن المرأة أيضا، وخير مثال نقدمه لهم هو السيدة الزهراء.

معنى هذا أن علينا (حكومة ومجتمعا) واجبا مضافا لما حُملناه من واجبات، وهو أن نوفِق بين مطالب الدين ومطالب التطور؛ بما لا يخل بالتزاماتنا الدينية من جانب، ولا يوقعنا في مطب مخالفة قوانين التطور والقوانين الدولية من جانب آخر. ومن المؤكد أننا سنجد أنفسنا عند هذه المرحلة بالذات بحاجة لأن نُعرِّف العالم كله ضرورة التفريق بين قيم الإسلام السامية تجاه المرأة، وبين ممارسات المجتمعات الإسلامية، فلا يجوز تحميل الإسلام وزر ممارسات المسلمين الخاطئة.
كما ونُعَّرف العالم أن الإسلام قرآنا وسنة اعتنى بالمرأة، وأعطاها حقوقا لا مثيل لها، ولكن المسلمين خرجوا على تلك القواعد، وخرقوا قوانين الدين، وابتدعوا أساليب للتعامل مع المرأة لا أصل لها في العقيدة، ولا بد من تصحيح الصورة المغلوطة التي يحملها الآخر في تصوره عن موقف الإسلام من المرأة.
إن العالم يسعى بجد لتغيير معنى الأشياء والمصطلحات لكي تناسب التبدل الكبير، وهذا ما جعل النسبية في تفسير المصطلحات بيننا وبين الغرب تتسع كثيرا، فزاد ضغط الازدواجية داخل نفوسنا، ولكن نجاحنا ولأكثر من مرة في تجاوز الامتحانات الصعبة، يؤهلنا للنجاح في هذا الامتحان أيضا.


وهنا عند هذه النقطة بالذات أجد الفرصة متاحة للتغيير، فإذا ما وظف موروثنا الديني مع التغيير الذي أصاب الأفراد في مجتمعنا، ممكن أن نحول المرأة إلى كائن مثالي، وهذا لا يحتاج منا الكثير، فمجرد أن نعطي المرأة العراقية فرصة إثبات وجودها من خلال الممارسة الحقيقية لدورها؛ الذي أوكله الله لها، مثلما أعطى الإسلام لها ومثلما أعطى النبي لفاطمة، سنجدها أهلا لذلك، وهنا على المرأة العراقية التي تدرك مكانتها الإسلامية أكثر من غيرها؛ وأن تسعى بنفسها لتعريف العالم بهذه الحقيقة.
&&&&&&&&&

وممكن لهذا أن يثمر إذا سعت الحكومة العراقية لإشراك المرأة في صنع القرارات، وفي قيادة المجتمع، وكانت جادة بتوفير فرص الإسهام الفعلي للمرأة في الحياة العامة، وبدعم استثنائي يتناسب طرديا مع ما تتعرض له النساء من تهميش وإبعاد وتشكيك في القدرات.
وعلى الحكومة المركزية والحكومات المحلية السماح للمرأة بالمشاركة الفاعلة في جميع الأنشطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية. فضلا عن ذلك ينبغي على المجتمع العراقي فسح المجال للمرأة التي تحمل مؤهلات تُرشحها للمنافسة؛ بالمشاركة الواسعة في الشأن العام، بل والمشاركة في رسم الخطط التنموية والمستقبلية للبلاد، ولاسيما وأن هناك الكثير من النساء المتميزات في مجتمعنا.
وعلى الدولة والمؤسسة الدينية والمجتمع عدم حرمان المرأة من تعلم أي علم ديني أو دنيوي. وعدم التضييق عليها باسم الدين والأعراف الموروثة، في حدود ما تبيحه الشريعة.

وفي الختام أجد أنه لا مفر من دراسة قضايا المرأة في العراق والعالم الإسلامي ضمن إطار الصراع القائم بين الحضارة والدين، ولاسيما أن الحضارة المعاصرة تتحدى الفكر الإسلامي المعاصر؛ الذي يبدو في ظاهره مُقيِدا للمرأة، ومن خلال هذه الدراسة يمكن وضع إستراتيجية عمل لآفاق مشاركة المرأة بشكل فاعل في كل مجالات الحياة التي يبيحها الشارع المقدس. فالغرب في أطروحته يحاول أن يعصب الأمر برأس الإسلام ورأس العرب كأمة، فمشكلة العرب كما يرى برنارد لويس؛ ((ليس احتلال فلسطين أو تدمير العراق، بل عجزهم خلال القرنين الماضيين عن الوصول إلى مراتب الندية مع الغرب؛ مثلما فعلت اليابان والصين والهند؛ وهي الأمم التي عاشت تجربة الاستعمار التي عاشها العرب والمسلمون. ولذلك، وبدلاً من الانصراف إلى نقد الذات، وتطوير التجارب لمواجهة التحديات، اعتبروا الغرب عِلّة العلل)).
هذه النظرة المتحيزة يجب أن تتغير، ونحن وحدنا بيدنا مفتاح التغيير متى ما أعطينا المرأة حقوقها كاملة بلا مَنٍ ولا فضل، فالمرأة الأم والزوجة والأخت والبنت والزميلة والصديقة؛ هي الكيان المقابل لكيان الرجل في كل المجتمعات، وهي مثل الرجل خصها الخطاب القرآني، بقوله تعالى: {يا أيها المؤمنون} ولمن تعتقد أن الطريق صعب والمسير فيه محال عليها أن تضع امام ناظريها صورة السيدة الزهراء (عليها السلام) فهي بالرغم من كونها أكثر نساء الكون التزاما بقيم وسنن الإسلام، خرجت إلى طرقات المدينة تطالب بحقين شرعيين: حق زوجها في الإمامة وحقها في فدك، وأحرجت المسؤولين وانتصرت على الرجال