بعد أن هدد الإسلام
مصالح الوثنية والشرك، اجتمع أشراف قريش في دار الندوة، لم يتخلف منهم أحد: من بني
عبد شمس، ونوفل، وعبد الدار، وجمح، وسهم، وأسد، ومخزوم، واتفقوا على أن يأخذوا من
كل قبيلة شابا قويا شجاعا جلدا حسيبا في قومه، ويعطى كل منهم سيفا صارما، فيدخلون
على النبي(صلى الله عليه وآله) ويقتلونه؛ وهو نائم في فراشه، ومن أشهر هؤلاء
الفتية وأكثرهم فتكا وشراسة: الحكم بن أبي العاص، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن
الحارث، وأمية بن خلف، وزمعة بن الأسود، وأبو لهب وأبو جهل، وأبو الغيطلة، وطعمة
بن عدي، وأبي بن خلف، وخالد بن الوليد، وعتبة وشيبة، وحكيم بن حزام، ونبيه ومنبه.
فأعلمَ الله سبحانه
وتعالى نبيه بكيدهم وخطتهم، فأمر النبي(صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) بالمبيت
على فراشه بعد أن أخبره بمكر قريش، فقال علي: أوتسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟
قال: نعم!
كل هؤلاء الرجال
الشجعان، هجموا على علي(عليه السلام) الذي كان نائما في فراش النبي وهم يحسبونه
محمد، شاهرين سيوفهم، ضامرين الحقد، فلما انتبه وكشف لهم عن وجهه، ارتعبوا من
رؤيته وأجفلوا، فهرب بعضهم، وخفض الباقون أسلحتهم لأنهم كانوا موقنين أنه سيسحقهم
إذا لم يكفوا عنه!
كل هؤلاء الرجال
الشجعان، عجزوا أن يلحقوا ضررا بسيطا بعلي(عليه السلام) وهو لما يزل فتى طري العود،
ثم لما شاب، جاء القميء الرديء الماكر الشنيع الخليع ابن ملجم ليختار فرصة، يعلم
أن عليا(عليه السلام) يفقد خلالها اتصاله بالأرض وأهلها، ليديم التواصل مع الله
سبحانه؛ وهي لحظة السجود لله تعالى، ليطبره على رأسه طبرة مسمومة، لوثها الحقد
والخسة والدناءة، وديثت بالكفر والمكر والعهر والخيانة.
ومع أن الموت لم يكن
يعني لعلي شيئا بقدر كونه فرصة ليلتقي بالنبي بعد طول فراق، ولذا هتف صادقا: (فزت
ورب الكعبة) إلا أنه حرم العالم كله من عطاء هذا الأنموذج الإنساني الفريد.
فأين فوز هذا الذي
يحرمنا منك يا سيدي؟
أفي الموت فوز يا
سيدي؟
أم أن معنى الفوز
لديك يختلف عن معناه لدى البشر الآخرين؟
أنت فزت يا سيدي،
ولكن من لنا نحن أيتامك من بعدك؟