11‏/10‏/2016

في محراب الشّعر





قصيدة في منتهى الرشاقة والجمال والروعة والسحر الأخاذ لصديقي الشاعر التونسي الكبير محمد الصالح الغريسي.
حييت أيها الكبير

في محراب الشّعر
شعر : محمد الصالح الغريسي

طهّــــر فـــؤادك و ادخـــــل المحــــــرابا
و اجعل شعـــارك في الحيـــــاة كتـابا
ذا الشّعــــر يفتـــــــح للسّنــــا أبوابـه
و كـــــذا السّنـاء يفتّــــــــح الأبــوابا
يا أيّهـــا الكلـــم الجميـــل تفتّقــت
أكمامــــه مثـــــل الــورود عِــــــذابا
عطــــر يضــــوع و فتنـــة أخّـــــــاذة
تسـبي العقـــــول و تسحـــر الألبـــــابا
كم ذبتَ في سحــــر الكلام مُدامـــة
قد أسكــــرت برحيقــــها الأعنــــابا
يا واحـــة المشتــــاق في عـــــزّ اللّـظى
أجمـــــــل بها مستـــــوطَنًا و مــــــآبا
كم قد عشقت من الحســـان جميــلـة
نامــت على جرحي العنيــــدِ فطـــــابا
فوجدتــني في الشّعـر أعشق غيـــــرها
أنثى القصيــــد نضــــــارة وشبـــــابا
و أغــازل الـــرّوض الجميـــــل بحسنــه
و أعانــــــق الأحبـــــاب و الأصحـــــابا
و أراقب الطّــــير المحلّـــــق في السّمـــا
فأطيـر من فــــرط البهــــا إعـــجابــــا
يا شعــــر ما فرّطت فيــــك للحظـــــة
إمّا سمعتــــك أفقـــــــــد الأعصــــابا
و يصيبني خدر جميـــــل مــــثل أَلْــــ
ــحــــــان المجيــــــد إذا استفـــزّ ربابا
يا شعر قد أفنيت عمــــري جـــــــاهدا
لتكون لي بعد الكتاب* كتابا
علّمتني العشـق المعتّــق بالشّـــــــذى
إذ ذاب في العشـق الشّــــــــذى فــأذابا
إن كـــان في جمـــر الهــوى نار اللّظى
فهـــواك كان عصــــارة و شـــــــرابا
أو لم يســـــــــر في دربــــك المتنبــّي
فأضـــــــاء في كبــد السّماء شهــــابا
فغـــــدا العـــــــراق بشعــره أيقونــة
طـــارت فطــالت في السّمـــاء سحابـــا
و أبو فـــراس في الشّـآم تألّقت أشعـــاره
فغـــــــدت له زمـــر الطّيـــور طــــرابا
و بشعــــــره الشّابيّ نال مكانــــــة
ســــرّ القـــــلوب و نــــــــوّر الألبـــابا
أسفي على الشّعــــر الجميل فقد غدا
رثّا سقيمـــــا في الصّميم مصـــــــابا
جفّت ينابيع الخيــــــــــــــال بشعرنا
فغـدا القريض قراضـــة و هبــــــــابا
و زها الدّعيّ بقولــــه متعاليـــــــــــا
حتّى إذا هـبّ الفحــــول له فغــــــابا
إنّ الجمـــــــــال إذا تناقص حظّـــــه
فتـــح الخـــــــــواء لأهله المـــــــزرابا
و كـــذاك أرض الرّافدين و غيــــرها
قسم الغـــــــزاة بلادها أحــــــــــزابا
فتقطّعت أوصالـــــــــــــها و تفرّقت
فتحوّلت من بعد بهجتـها خـــــــــرابا
لا جــدب إلاّ في العقـــــول إذا كبت
فالجذع يغري يبستـــــــــــه الحطّابا