رائعة الشاعر الفلسطيني الكبير سعود الأسدي (قصيدة محترقة بماء دجلة)
يهديها للعراقيين كلهم ولكل الطيبين في العالم.
قصيدة محترقة بماء دجلة
سعود الأسدي
يا دِجْلةُ يا ذا الكَفِّ السَّمْحْ !
يا مَنْ حولَكَ أمواجٌ من نَخْلٍ عالٍ
فاقَ الفَوْقَ ،
وقوسٌ من قُزَحٍ من وَجْدٍ ،
وطيورُ قَمَاريٍّ تشدو
وحكايا قمْحْ !
بأعينِنا يا دَجْلةُ تجري
دمعًا ونجيعًا ،
وقصيدًا من غَزَلٍ صُوفيٍّ
يلهجُ طَلاًّينسجُ ظِلاًّ
أنقى أسْمَى من كل المَدْحْ
فاغسِلْ بيديكَ مَدَامعَنا
وَمَرَابعَنا ،
وَشَوَارعَنا ،
وَجُرُوحًا فينا قد بَاتَتْ
تشكو فينا من مِلْحِ الجَرْحْ
وَاصفحْ عنّا !
عن ماضينا
عن حاضرِنا ،
إنّا نَرْجُوكَ وما أحْلَى
أنْ يأتيَنَا منك الصَّفْحْ
وَامْسَحْ عَنّا إثمَ الماضي !
من منّا لم يأثمْ إثْماً ؟!
يُغْرُقُه في الوَحْلِ عميقاً
يغرقُه في الخِزْيِ عميقًا
ينشرًه عارًا فوق السَّطْحْ
إمْسَحْهُ بالموجِ العالي !
عَلِّمْنا نكتبْ أغنيةً !
تِبْرًا ، ذَهَبًا ، نُمْسِكُ قَصَباً
نَعْزِفُ نَغمًا،
نَبْرِي قلمًا،
نَرْسُمَ للحُبِّ بُيُوتًا
وَالمَحْنا لَمْحًا يا غالي!
يَكفينا من عينيكَ اللَمْحْ
أقْرِئْنَا لوحَ حمورابي !
والشمسُ تناولُه سِفْرًاً
قرآنا ، مُعْجِزًةً ، إرْثاً
للناسِ فإن نَشَدُوا عَدْلاً
قَرَأُوا ما سَطَّرَه الّلوْحْ
أو جلجامشَ في مَلْحَمةٍ
رائِعَةٍ تبحثُ عن خُلْدً
فاتحةٍ لم يسبقْها فَتْحْ
واسمحْ كي تأتيَ عِشْتارٌ
بِالحِنَّا تَصْبُغُ كَفَّيها
بِالطُّهْرِ تُغَسِّلُ قَدَمَيْهَا
وَتُطِلُّ وَتْشْرِقُ للدّنيا
من بغدادٍ من أعلى صَرْحْ
يا دِجْلةُ !
إنّا تُشْبهُنَا
في بابِ الطّاِق مُطوَّقَةٌ ،
قد ناحتْ للذكري نَوْحاً
فَشَجَاها النَّوْحْ
يا دِجْلةُ !
ها نحنُ نَرْنُو
للموعدِ أخضرَ يأتينا
بعيونِ الأطفالِ التَحْبُو
معنا حَبْواً ،
تمشي مَشْيًا ،
تركضُ رَكْضاً ،
بنجومِ الليلِ بأنْلِيلٍ
بأريجِ الليل ِبتمّوزٍ
يزهو بشقائقِ نُعْمَانٍ
معنا شوقاً ،
معنا توقاً لعيون الصُّبْحْ !
ـــــــــ
حمورابي :أشهر ملوك بابل وأعظمهم. اشتهر بشرائعه " شرائع حمورابي "
أول دستور إنسانيّ مدوّن .
جلجامش :بطل أسطوريّ كان ملكاً على بلاد ما بين النّهرين ، روت أخباره
ملحمة سومريّة بابليّة ، ووصفت مغامراته مع صديقه أنكيدو ، ويموت هذا فيروح جلجامش
يبحث عن سرّ الوجود وكيف الوصول إلى نبتة
الحياة والخلود ، ولكنه يُخفق لأن الحيّة قدا غافلتة وابتلعت النّبتة، ولك ترى أنّ
الصيدليات تخذات شعارها نبتة تلف حولها أفعى . وأمّا الملحمة فتدور حول قلق
الإنسان وتشاؤمه على أبواب الآخرة . تأثّرَت بالأسطورة حضارات الشّرق القديم
والحضارة اليونانيّة .
عشتار : إلهة الحُبّ والحرب عند البابليّين ، عشتروت الفينيقيّين : الهة
الحب
والخصب والجمال .
شقائق نُعمان: الواحدة شقيقة نبات أحمر الزّهر كثير الانتشار في الحقول
يزهو في الرّبيع، وأصل نشأته أسطورة فينيقيّة تقول: إنّ الإله تمّوز(إله الخصب عند
البابليّن)، أدونيس عند الفينيقيّن كان في جولة بجبال لبنان، فغافله خنزير بريّ
وقتله،ولمّا علمت أخته عشتروت ( عشتار البابليّة)جاءت إليه، ونخت فيه من روحها،
وأعادت له الحياة. وأمّا دمه الذي سال فقد تحوّل الى أزهار حمراء تجدّد ذكراه كل
عام.
ومن أجمل ما ورد أنّ النّعمان بن المنذر كان في رحلة صيد، فمرّ بمرجة رحبة
خصبة، وقد زهت وازدهرت بتلك الأزهار الحمراء، فأظهر دهشته منها وإعجابه بها، فلوى
وأصحابه أفراسهم عنها لئلاّ تُداس وتُحْطَم، وأوصى بان تُحفظ صونًا لجمالها،
فسمّاها النّاس" شقائق النُّعْمان" أي أخواته.
وكان النّعمان بمرسومه هذا أوّل صوت حضاريّ في العالم يقول بصون الطبيعة
والحفاظ عليها، فهل تعي الدّول الصّناعية اليوم كيف سيدّمرون حياة البشر بتوسيع
ثقب الاوزون جرّاء ما ينفثون من أدخنة قاتلة وكربون وسموم في سماء الكون الرّحيب؟
باب الطاق : اسم سوق قديم في بغداد كان يباع فيه الطير ، مرّ به الشاعر
المُنازيّ البَنْدَبِيْجِيُ ، فرأى حمامة مطوّقة،وهي حبيسة في قفص ،
فاشتراها وأطلق سَراحها ، وقال قصيدة " ناحتْ مطوّقةٌ بباب الطّاقِ " وهي
من روائع الشّعر العربي، ولذا لا يعلّمونا في المدارسِ عندنا.
أنليل : إله سومري بابليّ .
تمّوز : إله الخصب عند البابليين ، هو أدونيس الفينيقيين .