بعد أن تم التصويت على أغلب مفاصل الموازنة العامة للبلد لعام 2017 أصبح
أمر المصادقة عليها قاب قوسين أو أدنى، مع بلوغ نسبة العجز بحدود 30% مما يعني
وجود ضغط على الحكومة، والملاحظ أن حكومتنا مع زيادة الضغط المالي، وتنامي حجم
العجز في الموازنة، تنشط في البحث عن حجج لزيادة الاستقطاع من رواتب الموظفين
والمتقاعدين، مع أن راتب السياسي والنائب في البرلمان يساوى خمسين ضعفا من راتب
الموظف، ومائة ضعف من رواتب أغلب المتقاعدين، ودون أن تفكر في استقطاع بعضا من هذه
الرواتب الفلكية أو تقليل الفجوة بين الراتبين، راتب النائب السعيد وراتب الموظف
المسكين!
الغريب في أمر هذه المعادلة غير العادلة أن الاتكاء على الضعفاء والبسطاء
دون الأغنياء في تحصيل ما تحتاجه الحكومة ليس بالأمر الجديد، كما أن الحكام لا
يعدمون وسيلة لإيجاد الحجج لذلك دونما عناء، ليس في عصرنا الراهن فحسب، بل عبر
العصور، كان طغاة التاريخ والأعراب الذين سلطوا على مقدرات الناس، إذا ما قل
خزينهم من المال يلجأون إلى الناس لسلبهم مدخراتهم ومقومات حياتهم، ومن الأمثلة
التاريخية على هذا الفعل ما جاء في ربيع الأبرار للزمخشري في قوله: كان أبو مهدية
من فصحاء الأعراب، فلما أسنَّ[أي تقدم به العمر] عينوه واليا على جانب من اليمامة،
وكان بهذا الجانب قومٌ من اليهود، أهل عطاء وجِدَة، فأرسل إليهم، فقال: ما عندكم
في المسيح؟
قالوا: قتلناه وصلبناه!
قال: فهل غَرِمْتُم دِيَته؟
قالوا: لا.
قال: إذاً والله لا تَبْرحوا حتى تَغْرموا دِيتَه.
فأرْضوه، حتى كف عنهم.
وبهذه الحجة حصل أبو مهدية على مبتغاه، لكن حكومتنا العتيدة لا تحتاج إلى
حجج وليست في حاجة لأن تسألنا عن قتل السيد المسيح؛ وهي تعلم قبل غيرها أنا لم
نقتله، أو غير ذلك من الحجج، لتتخذه سببا في مصادرة سبل حياتنا، موارد رزقنا، فهي
في غنى عن السؤال، ومتاهة القيل والقال، لسبب بسيط هو أنها لا تملك ذكاء الاستنباط
والإبداع، ولا تفرِقُ بين الحرام والحلال!