06‏/04‏/2019

عن قلقِ ناقدٍ ممحَّصٍ للتاريخ/ قراءة دكتور علاء آل كريم الحلي لكتاب نظرية فارسية التشيع









أديبٌ وكاتبٌ مبدعٌ أنسنَ الفكرة، وراحَ يستودعُها في أفكارهِ وعواطفهِ ووجدانهِ تبياناً وتعريفاً للحقيقةِ بمدادٍ حضاريِّ النقدِ للتقاليد، والمساحيق الاجتماعيَّة، من أعلى الهرمِ إلى أخمصِ ما يدورُ في قاعِ التاريخِ الغابرِ الذي يمتدُّ إلى ١٤٠٠ سنة ونيِّف؛

هاكَ صالح الطائي في كتابهِ: (نظريَّة فارسيَّة التَّشيُّع)، ذهبَ تشريحاً وتحليلاً كمن قبضَ على فعلِ تجاذباتِ المعابدِ؛ وهو بهذا التحليلِ والانشدادِ؛ كانَ كالطبيبِ المتفحَّصِ لجُثثٍ مرَّ على موتِها ١٤ قرناً من الزمنِ والحضارةِ؛ إذ وجدتُهُ ينبشُ بقلمهِ أحشاءَها من دونِ أدنى توجِّسٍ، وبإنسانيَّةٍ تدفعُ المتلقِّي إلى سهوبِ الإغواءِ والانعتاقِ من القيدِ التاريخي اللعين....
(نظريَّة فارسيَّة التَّشيُّع)؛ رحلةُ العُمرِ إلى الوراءِ بنحوِ ١٤٠٠ سنة خلن، ورأسُ الخيط لمكانٍ وزمانٍ اختلفا عن بشرٍ ذهبوا خمس جهات المعمورة (خمسةُ مذاهبٍ)، فلا يرعوي يراعٌ أو ريشةٌ، ولا يسكنُ نبضُ قلمٍ عن هذا المُتاح والاقتدار؛ فالسفرُ إلى أربعةِ عشرة قرناً لسانُ الحال، يُجبرُ أصحابهُ على كسرِ ما تأصَّلَ وترسَّخَ في تراكماتِ الذاكرةِ الدينيَّةِ والتاريخيَّة المتجذَّرة في أبعدِ نقطةٍ من الوعي الجمعي؛ فكانَ لهذا السفرِ أسفارٌ، وانتظارٌ كبوابةٍ كبيرةٍ لعبورِ العكس من الزمن، لحروبٍ أكلتْ نارُها حيواتٍ وقلوباً لعُشاقٍ أحبَّوا الحضارةَ والإنسان.

وأمَّا السُبلُ؛ فقد سُدَّتْ بفقدانٍ وشرودٍ ومآسٍ يعيشُها أُناسُها بخساراتٍ فادحةٍ، وخطوبٍ وندوبٍ لا تُشفى.... والناسُ يدفعونَ جزيةَ حروبٍ لا ناقةَ لهم فيها ولا جمل؛ فهاموا على وجوهِهم من وجعِ التاريخِ المستبد، ومن إعلاناتهِ التي أماطتْ لثامَها عن الويلِ والثبورِ المستمرِّ.... تلكَ الحروب التي دفعَ ثمنها كاهنٌ مأجورٌ لكي يغذَّي شرورَ شهواته وانزياحه الأهوج عن فلسفةِ الحقيقة... فما أشقى إنساننا؟!!!

هكذا وجدتُ صالحاً؛
وهكذا وجدتُ كتابه الأغر الذي حلَّقَتْ بيَ سطورهُ بعيداً كما العنقاءُ التي تبحثُ عن أرضِ الإثارةِ والتشويقِ بنهمٍ أسطويٍّ ليسَ لهُ مثيل........ فمن أينَ لكَ هذا يا صالح؟!!!

وأنا أفرغُ للتَّوِ من قراءته؛ كتبتُ ما اختلجَتْ به نفسي من فهمٍ لهذا السِفرِ الرصين.... فشُكراً لكَ صالح؛ لقد أجدتَ وأصلحتَ.