السجن بكل ما فيه قبيح، ولا يعرف قبحه على حقيقته إلا الذين دخلوه ظلما، وأنا
كتب الله تعالى لي أن أدخل ثلاثة سجون، أولها سجن مديرية الأمن العامة للنظام
البعثي في أيام شبابي، الذي سلبوا فيه الفرحة مني، وأورثوني الحقد عليهم إلى يوم
الدين. وثانيها يوم اختطفني الدواعش، فسلبوا عيني، وتركوا آثارهم على جسدي،
فأورثوني كرها لهم لا حدود له.
وأنا حينما أقارن بينها وبين سجني الحاضر لا أتأسف على أيامي التي ضاعت
فيها هباء، فالسجن الأول قادني إلى السجن الثاني، والسجن الثاني قادني إلى سجن
الكتاب، فعوضني عن تلك السجون ألف خير، لأخط أسمي بأحرف من عِلمٍ في عقول المدركين
والواعين، ولا زلت أتمتع بأيام هذا السجن، وأتحسس فيض عطائها كتبا تتربع على رفوف
المكتبات وبين يدي طلاب العلم، فأشعر وكأني عوضت كل دقيقة من دقائق السجنين
الأولين بأيام من الفرح.
سجين ولكن سجني الكتابُ
وأغلالي الآسرات السطورُ
فما بين جنبيه ضاء الشبابُ
وفوق الصحائف مات الغرورُ