17‏/07‏/2019

أيها المندائيون الأعزاء مبارك عيدكم الكبير








العيد الكبير أو عيد رأس السنة أو عيد "دهبا ربا" لدى الصابئة المندائيين، الذي يصادف في أواسط شهر تموز هو مناسبة أخرى من المناسبات الدينية التي تثبت بما لا يقبل الشك أن الأديان كلها من مصدر واحد، هو الله تعالى، وأنها في بعض جوانبها تبدو مستنسخة عن بعضها، وان طقوسها وعباداتها وحتى احتفالاتها ترتبط ببعضها البعض في كثير من جوانبها، وتكاد في بعض الأحيان أن تكون صورا مستنسخة عن بعضها. وهذا أحد اهم الأسباب التي تدعونا لأن نحترم ونحب جميع أهل الأديان، بل أن نشاركهم الفرح في مناسباتهم لكي نشعرهم بوحدة الهوية، هوية الإيمان بوحدانية الله تعالى.
أما عيد "دهبا ربا" فهو عيد رأس السنة عند إخوتنا الصابئة المندائيين، وفيه ذكرى تجلي الخليقة الأرضية، حيث يسمح الله تعالى للملائكة بزيارة عالم النور، والعودة بعد انقضاء العيد إلى أماكنهم.
يطلق المندائيون على هذا العيد اسم "عيد قدوم المعرفة الأولى" لأنهم يعتقدون أن الله تعالى يحدد في هذا العيد طالع السنةِ القادمة، وهم يقصدون بالمعرفة الأولى نزول الكتاب المقدس "كنزا ربّا" من السماء إليهم. وكأنه ليلة القدر عند المسلمين.
وكم هو طبيعي ومدهش أن تجد الأعمال العبادية التي يؤديها المندائيون خلال هذا العيد أثناء مكوثهم  في بيوتهم وعدم مغادرتها لمدة ست وثلاثين ساعة متواصلة مثل  قراءة الأدعية والتسابيح التي تستمر لغاية انبلاج الفجر، مشابهة كثيرا لما يؤديه المسلمون في ليلة القدر، لأن هذه الليلة عندهم مثلما هي ليلة القدر عندنا؛ من أيام تلبية الدعاء وقبول الرجاء.
أما حديثهم عن تحديد طالع السنة القادمة فهو عينه موجود عند المسلمين في المناسبة نفسها أقصد مناسبة نزول الكتاب، روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس في قوله تعالى تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: "يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو موت أو حياة أو مطر، حتى يكتب الحاج؛ يحج فلان ويحج فلان". وروى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس، قال: "إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى" ثم قرأ: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ، إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)، يعني ليلة القدر، ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل".
في هذه المناسبة السعيدة يُجري المحتفلون مراسيم التعميد الجماعي ويؤدون الطقوس الدينية الاخرى، ويستمر الاحتفال بالعيد لمدة ثلاثة ايام، يحتفلون خلالها بالخلق الدنيوي؛ الذي يقابل يوم "دحو الأرض" لدى المسلمين، وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة، ويستحب فيه الصوم. ودحو الأرض بمعنى بسطها ومدها، و دحاها أي: أزالها عن مقرها، والمقصود بدحو الأرض أنّ الكرة الأرضية في بدايتها كانت مغمورة بالمياه، إلا أن المياه انحسرت، وعلت اليابسة على أطرافها وتوسعت تدريجياً، وكانت مكة أول نقطة يابسة ظهرت من تحت الماء، حسب الأحاديث الإسلامية. وبالمقابل أشارت النصوص الدينية المندائية إلى أنه في مثل هذه الأيام المباركة تم تكثيف الارض وتهيئتها لاستقبال النبي آدم وزوجه حواء، فأنظر إلى تقارب المعنى بين الحديثين!.
وبعد انقضاء مدة الاعتكاف لمدة 36 ساعة اي يوما بليلتين يتبادل المندائيون الزيارات والتهاني، وتنتهي الاحتفالات بعد سبعة ايام بعيد السلام "شوشيان".
وبناء عليه، لا يحق لأحد ان يعتبر نفسه ابن الله وحبيبه الذي اصطفاه من بين جميع خلقه وفضله عليهم، فنحن جميعنا بكل أدياننا عباد الله نؤدي طاعاته وطقوسه وشعائره التي جاء بها أنبياؤنا من عنده.
وألف تهنئة من لب القلب لإخوتنا وأهلنا الصابئة المندائيين في العالم كله.