23‏/07‏/2019

الزمن يركض وشوكة بعين العدو









إن محاولة اللحاق بأحداث عصرنا المتسارعة، تدعونا لأن نتحزم لها بألف حزام عسى أن لا يفوتنا منها شيء قد يكون مهما، ولكي لا نقصر في شيء قد يكون أكثر أهمية، أو نُتهم بأننا لا نواكب الأحداث، ولا نسهم في معالجة الظواهر السالبة التي تتهدد استقرار البلاد وأمن العباد.
من هذا المنطلق تراني أعمل دائما على كتابين أو أكثر في آن واحد، ليس قتلا للفراغ؛ الذي أملك منه الكثير، بعد أن تقاعدت، وهُجِّرتُ من بيتي إلى حيث يندر الأصدقاء والمعارف والأقرباء، ولا حبا بتكرار الظهور، فتكرار الظهور أمسى أشد خطرا من العزلة، ولا تقليدا لمن سبقنا من فطاحل الرجال ولا ابتغاء كسب مادي أو معنوي.!
والمشكل والغريب أن هناك من يتحسس من هذا الجهد ويعده منافسة له أو كشفا لضعفه وخطله، ولذا يتقول علينا في السر على خلاف الوجه البشوش الذي يلقانا به في العلن، وكأن جهدنا فريد الأزمان، وهو يدري أو لا يدري أن الروايات التاريخية، تذكر أن الشيخ جلال الدين السيوطي أنجز أكثر من تسعمائة مؤلف خلال عمرة العملي، والشيخ باقر المجلسي، أنجز سفره الخالد بحار الأنوار بأكثر من مائة مجلد، وابن حجر ابتدأ بكتابة سفر الأسفار الرائع والشرح الأوفى لصحيح البخاري (فتح الباري) في أوائل سنة 817هجرية، وعمره آنذاك 44 عاما، وفرغ منه في سنة 842هجرية، فجمع فيه شروح من قبله على الصحيح حتى زادت موارده فيه على (1200) كتاباً من مؤلفات السابقين له، ضمنها لأكثر من (15) مجلدا حسب الطبعات. وبين هذا وذاك هناك من أنجز أكثر أو أقل من هؤلاء، أحجمنا عن ذكرهم للاختصار ودفعا للملل.
هذا وكان أصحاب الصحاح والسنن يسافرون بعيدا لتتبع الأحاديث وجمعها وبعد ذلك تبدأ عملية الغربلة والاختيار، فاختار هذا صحيحه من بين (750) ألف حديث جمعها، واختار ذاك مسندة من بين أكثر من مليون حديث حصل عليها وهكذا، فانفقوا من أجل ذلك عمرا.!
لقد أنجز هؤلاء العظماء ذلك الإرث العظيم كله في ظرف لم يكن مناسبا للإنتاج الفكري البسيط، وليس موافقا لمثل هذا الإنتاج الكبير، حيث كان التنقل من أجل الحصول على المعلومة أو الخبر من أصعب ما يكون، وكان الحصول على المادة العلمية يحتاج إلى معارك وخصومة مع الوقت والإنارة والمداد وريشة الكتابة ونوع القرطاس وأشياء كثيرة أخرى، وآخرها عملية الكتابة ذاتها وسهر الليالي لانجاز نسخة واحدة قد تتعرض إلى التلف أو تضيع فيضيع جهد العمر كله.  
وهم في هذا على خلاف ما نحن عليه اليوم حيث الطاقة الكهربائية والإنارة والتكييف؛ اللذين نتحكم بهما، والحاسبات والانترنيت العظيم بكل ما فيه من مكتبات ومعلومات، والطابعات الالكترونية، حتى باتت الكتابة لا تحتاج منك سوى الجلوس في مكانك ومتابعة كل جديد.! لكننا حتى مع هذه المعطيات الحضارية نجد أنفسنا في  صراع ضروس مع الوقت، مع أننا نملك الوقت كله.
إن هذه الإشكالية المعقدة وضعتنا أمام تحد كبير ولاسيما وأن السباق مع الزمن المعاصر يحتاج إلى آليات وعدة تختلف عن عدة وآليات من سبقنا، من أهمها اختزال المادة بعدد قليل من الصفحات دون التأثير على المعنى، لأن القارئ نفسه لم يعد يشبه قارئ الأمس، فبالأمس لم يكن هناك ما يشغلهم أو يلهيهم، وكانت القراءة متنفسا وحيدا لكل من يبحث عن متعة للفكر، أما اليوم فالمشاغل والمشاكل والهموم، ملأت كل فراغات وقتنا، وتنوعت المتنفسات حتى زادت عن حاجتنا، فأصبحنا نشكو قلة وقت الإنتاج؛ في وقت نشكو فيه طول وقت الفراغ، فيقول قائلنا: أتمنى أن يصبح اليوم ثمانية وأربعين ساعة لأنجز كل ما لدي.!

أنا قد أكون على خلاف أهل عصري، فأنا من خلال استمرارية العمل بتواصل وبدون انقطاع، كوني جليس داري، ولا متنفس عندي غير التأليف، أصبحت أملك خزينا من البحوث والمؤلفات المنتجة الجاهزة للطبع وبمعدل شهر إلى شهرين بين إصدار وآخر، فإذا تزامن إصدار هذا الكتاب مع كتاب صدر قبله بأيام فذلك لا يعني أني أنجزته خلال هذه المدة بالتأكيد، وحتى مع ذلك أحاول أن أترك مسافات بين إصدار وآخر، فلا تلوموني ولا تتهموني، فأنا انزعج من كيل التهم الذي أتلقاه من بعض المؤسسات الأكاديمية وتحديدا من بعض الأشخاص الذين ينتسبون إلى هذه المؤسسات، ممن لم يصدروا ولو كتابا بسيطا واحدا منذ حصولهم على الدرجة العلمية قبل عشرين عاما أو أكثر، وخيرهم من اتيحت له فرصة، فأصدر مؤلفا يتيما واحدا لا غير.
لهم ولكل من يتابع نتاجي ويفرح به أو يحزن أقول: سأصدر بعون الله تعالى خلال الأشهر الثلاثة القادمة ثلاثة مؤلفات أدبية، وسأوزعها مجانا على المحبين وغيرهم. وإذا كانت في العمر بقية سأصدر في العام القام خمسة مؤلفات أو أكثر جاهزة للطبع الآن. وشوكة بعين العدو!.