27‏/01‏/2020

علمانية شيعية وسياسية شيعية وما بينهما






علمانية شيعية وسياسية شيعية وبينهما قضية
ا

كنت قد نشرت هذا الموضوع من قبل تحت عنوان (الإسلام السياسي الشيعي) والآن بعد ما بدأنا نلمسه ونلاحظه من المستجدات والمبتدعات، أجريت عليه بعض التعديلات ومنها تغيير العنوان:
قلة هم الذين يستخدمون مصطلح (الإسلام السياسي الشيعي) فالأغلبية المطلقة تستخدم المصطلح المتداول (الإسلام السياسي) دون تمييز بين أتباع مذهب وآخر، سواء كانوا يريدون مدح أو ذم هذا الكيان. لكن ما يجب الانتباه له أن الإسلام السياسي الشيعي لا يتطبع بكل طباع الإسلام السياسي العام فهو للأسف، بعد أن كان في بعض مراحله  قد اختار أرقاها وأتقاها، نراه قد انحدر إلى أدناها، وعمل بأكثرها حقارة وخبثا، وأتبع أرذلها وأشدها تسافلا، وتمسك بأشدها ضلالا وبعدا عن الحق، ليس في عصرنا الراهن فحسب وإنما عبر حقب كثيرة من التاريخ، وقد ظهرت ملامح انحرافهم يوم تحولوا إلى فرقة داخل جيش علي بن أبي طالب (عليه السلام) لها عقيدتها وفكرها وأسلوبها؛ الذي يختلف عن أسلوب وعقيدة بقية جيشه من أصحابه الكرام عمار بن ياسر ومالك الأشتر ومحمد بن أبي بكر وعدي بن حاتم الطائي وغيرهم(رضوان الله عليهم) من الأبطال الميامين الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن الإسلام والإمام ومنهجه، ويختلف هذا الخط أيضا عن أسلوب الإسلام السياسي العام.
وكان الإمام علي(عليه السلام) بعينه الثاقبة وفكره الملم ببواطن وظواهر الأمور قد شخص انحرافهم، وشديد خطرهم، فخاطبهم قائلا وهم محسوبون عليه، وظاهرهم بل وسلوكهم يظهرهم وكأنهم من السائرين على نهجه: "أحمد الله على ما قضى من أمر وقدر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيها الفرقة التي إذا أمرتُ لم تطع، وإذا دعوتُ لم تجب، إن أُمهلِتم خضتم، (أي في الكلام الباطل)، وإن حُوربتم خرتم، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، وإن أُجئتم إلى مشاقة نكصتم، لا أبا لغيركم، (لاحظ هنا أن الإمام مع غضبه عليهم تلطف بهم فلم يقل لهم: لا أبا لكم كما هو معروف)، ما تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم؟ الموت أو الذل لكم، فوالله لئن جاء يومي ـ وليأتيني ـ ليُفرقَن بيني وبينكم وأنا لصحبتكم قالٍ (أي كاره ومبغض) وبكم غير كثير، لله أنتم أما دين يجمعكم؟ ولا حمية تشحذكم؟ أوليس عجبا معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم وأنتم تريكة الإسلام، (التريكة بيضة النعامة بعد أن يخرج منها الفرخ ويتركها)، وبقية الناس إلى المعونة، وطائفة من العطاء، فتفرقون عني، وتختلفون علي؟ إنه لا يخرج لكم من أمري رضا فترضونه، ولا سخط فتجتمعون عليه، وإن أحبَ ما أنا لاق إليَّ الموت، قد درستكم الكتاب، وفاتحتكم الحِجاج، وعرفتكم ما أنكرتم، وسوغتم ما مججتم، لو كان الأعمى يلحظ، أو النائم يستيقظ، وأقرِب بقوم من الجهل بالله قائدهم معاوية ومؤدبهم ابن النابغة"(نهج البلاغة، ص361ـ362، خطبة رقم 178)

وهو وصف دقيق، ينطبق بشكل كامل على جبهتي الحراك الشيعي المعاصرة: على جبهة العلمانية الشيعية المفرطة بالتطرف والغلو إلى درجة الشذوذ، والتي تحمل دعوى تدمير باقي الأطراف، وعلى جبهة الإسلام السياسي الشيعي المعاصر الذي يراهن على بعض مباني العقيدة، فيختار منها ما يخدم خطه، ويغض الطرف عما هو أكثر منها أهمية ومساسا لمصالح الناس، ولا أعتقد أن هناك عاقل ممكن أن يتنكر لهذه الحقيقة الجلية، فالمعاصرون من العلمانية الشيعية وأتباع الإسلام السياسي الشيعي كلاهما نسخة طبق الأصل عن أصل فرقتهم الأولى التي شذت عن منهج الإمام علي، فأصبحوا ضررا على الإسلام وأهله، كما هم اليوم ضرر على الإسلام وأهله، ولاسيما من خلال تعاونهم مع أتباع الإسلام السياسي العام؛ الذين اجتمعوا سوية على منهج واحد وطريقة واحدة ليسلبوا المواطن حقه والوطن نسقه والإسلام قوته ومنطقه. أما ما بين المنهجين فهم الضعفاء ومن لا رأي له ومن نأى بنفسه عن مهاترات السياسة ومن يترقب بعين الوجل وينظر بعين الريبة لكل ما يحدث، وهم في حيرة من أمرهم؛ يرون قيمهم تنخرها السياسة، ووحدتهم تحطم أركانها المطامع، ووجودهم يتهدده المتطرفون الذين يثقفون أتباعهم على كره ونبذ هذه الفئة، وهي لا حول ولا قوة لها إلا بالله.