31‏/03‏/2020

الجهل وكارثة الحنطة المسمومة وجائحة كورونا








هناك في تاريخ العراق الحديث ما يعرف باسم "كارثة الحبوب السامة" وهي حادثة تسمم جماعي خطير، بدأت أواخر سنة 1971 سببتها مادة "ميثيل الزئبق" المبيد للفطريات التي عُفرت بها حبوب حنطة غير معدة للاستهلاك البشري بل مخصصة كبذور للزرع استوردها العراق من أمريكا والمكسيك. والتحذير من مخاطر المادة  كان مكتوبا على الأكياس بالإنكليزية، لذا تعذر على الكثير معرفته، فضلا عن الفلاحين الأميين في الأرياف. والأهم أن الحكومة لم تقم بحملة إرشادية قبل توزيع البذور، ولذ طحنها الفلاحون وخبزوها وأكلوها ولاسيما وأن توزيعها عليهم جاء بعد انتهاء موسم البذار، وهذا جزء من التقصير الحكومي.
تسببت الكارثة بوفاة حوالي 650 شخصا حسب الإحصاءات الرسمية،، وما لا يقل عن عشرة أضعاف هذا الرقم حسب المعايشة، فضلا عن حالات المرض الشديد وفقدان البصر والإصابة بالترنح (الدوخة) والخدر الشديد وأعراض مرضية أخرى استمرت في ذروتها لغاية نهاية شهر شباط 1972، ثم انتهت.
ولو كانت الحكومة قد اتخذت الإجراءات السليمة، وقامت بحملات إرشادية مكثفة، ووزعت البذور قبل موسم البذار بمدة، وأشرفت على عمليات البذار... ولو كان المواطن واعيا مدركا مطيعا للتعليمات حريصا على تطبيق الإرشادات لما... ولو تعاونت الدوائر الزراعية مع الفلاحين... ولولا الجهل المركب لما وقعت الكارثة.
تذكرت هذا الموضوع الذي عشت تداعياته لأني المرحوم والدي كان حينها تاجر حبوب وقد عُرضت عليه بوجودي كميات من هذه البذور فرفض شرائها، في هذا الوقت بالذات وأنا أرقب جائحة كورونا تحصد رقاب العالمين، وبعد أن سمعت وقرأت وشاهدت الاهمال من قبل الحكومات والشعوب؛ الذي تسبب في تفاقم الأزمة، ولو كان الوعي والاهتمام والالتزام بالقانون  أكثر درجة لكنا تجاوزناها بأقل الخسائر.
المشكلة أن كل عناصر اتساع رقعة تأثير الحبوب المعفرة توفرت في انتشار وباء كورونا ولاسيما الإهمال والتراخي الحكومي في أكثر من جانب. وهذا يعني أن المصائب لا تحدث على شكل كوارث إلا إذا ما كانت أغلبية الشعب جاهلة أو أمية، وكانت الحكومة غبية مقصرة في أداء واجباتها.
وقانا الله وإياكم وحفظ الإنسان والإنسانية في كل مكان.