04‏/04‏/2020

رأي الأستاذ علي عرار بكتابي الغزوة السادسة.





علي عرار/ ‏ماجستير هندسة هيدروليكية

قبل يومين وبالصدفة صار كتاب الدكتور صالح الطائي أمام عينيّ ولغرابة عنوانه ما دفعني الى قراءته متجاوزاً عدة عناوين أخرى..!
في البداية مستذكراً الجملة التي نشرتها في منشورٍ سابق " لم أكن متعصباً يوماً ما ، ولم ولن اتعصب إلى جماعتي على حساب العقائدِ الأخرى، وأكون فرحاً عندما أرى شخصاً يحاول أن يهذب ويزيل الغبار مبتعداً عن أنانيته وعاطفته ليكون إنساناً واقعياً بمنتهى الصدق وليثبت أن العقيدة ليس كما تريد أو تحب بل العكس، حتى لو كلفته حياته، متغلباً على المجاميع المتعصبة للعقيدة الذين يرون الدم والسيف أجمل هدية جاءت بها فكرة الإسلام الحقيقية ..! فـصار الكثيرون يستغلون ذلك لدوافع شخصية وهذا ما ذكره الباحث في عددٍ من الغزواتِ والسرايا إنها جاءت إلينا محرفة وعندما نتأمل بدوافعها ستجدها شخصية-ثأرية بحتة
العنوان ( الغزوة السادسة ) ويذكر في مقدمته (( وأنا في الواقع استفزتني كثيرا تلك الصورة التي كان يحملها بعض الشباب وفي نيتهم الدفاع عن الاسلام ونيته بسذاجة المخدوعين، ودفعتني لأصرخ بوجوههم ..! . انتهى )) ..! ويضع الباحث الصورة بعد المقدمة مباشرةً ، ذاكراً تحت هذه الصورة؛ أن هذه الصورة أوحت لي بفكرة الكتاب والتي وجدتها مرفقة بموضوع في أحد المواقع الإلكترونية يتهجمون على الإسلام والمسلمين بسببها ..!  والصورة تتكلم: إنها وقفة ميدانية لعدد من الرجال، وهم كانوا في الصورة أشبه بمسيرة، أو أحتفالية راجلة لمجموعة من المسلمين، ويبدو من خلال لباسهم، وسَّحنة وجوههم، وبعض التفاصيل لملامحهم البارزة أنهم أفغانيون أو باكستانيون أو أناس أقرب لهذه البيئة ..!
رافعين لافتة مكتوب عليها :
( رسولنا شق أم قرفة إلى نصفين .. ولكن بطريقة إنسانية )
وكما قلت لكم ما دفعني لقراءة هذه الكتاب هي الطريقة الذكية لأختيار الباحث لعنوانه ومن ثم أن الباحث الطائي هو رجلٌ إسلاميٌّ بـ امتياز وأغلب ما كتبَ ونشرَ من بحوثٍ ومؤلفات تخص السيرة والدين والعقيدة، ولقراءاتنا الضعيفة في الكتب الإسلامية والسبب واضح جداً، إذ إن من الصعوبة تجد كتاباً إسلامياً لا يجامل على حساب العقائد الأخرى، ومن الصعوبة لا تجد فيه روايات ضعيفة يستند إليها الكاتب، وهذه إحدى الإسباب التي سببت نفور بعض القُراء من الكتب الإسلامية، فضلاً عن نفور وهروب بعض الشباب من العقيدة والدين بدون بديل، وهذا يعود السبب إلى بعض المتأسلمين وأفعالهم وفعل الحكومات والأحزاب الإسلامية وسياسياتهم الخاطئة مما صارت هذه السلوكيات أنعكاساً واضحاً على العقيدة والدين  ..! وعندما أقول بدون بديل، أو شخص بدون عقيدة إنسانية، بمعنى أن التيه واليأس تتكرس في النفس وأدعوكم لقراءة، ثلاثية الكاتب إرفين د.يالوم ( لرواياته الثلاث علاج شوبنهاور وعندما بكى نيتشه ومشكلة سبينوزا ) ستلاحظ ماذا صنعوا الفلاسفة من أجل تكريس عقيدة لإنفسهم وكيف يُصبروا من روعة أرواحهم ..!   
واقعاً إن المؤلف يذكر أن هذا الكتاب عبارة عن بحثٍ بواقع ٢٤٤ صفحة من القطع المتوسط . والذي تخص جزئية أو رواية صغيرة جداً، ومن الممكن أن يحل الخصام والأشكالية كما أنا سهلتها على نفسي مختصراً الطريق على نفسي بدون الخوض في جزئية بسيطة تهدر أياماً من الوقت ..! والإجابة عن أي شبهة حول الرسول ص" 
( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )
( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )
 ( اوصى الرفق بالحيوان )
( نهى عن المثلة ولو بكلبٍ عقور )
 ( عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهما السلام قال : لم يقطع رسول الله لساناً قط ولم يسمل عيناً  ) ... الخ
وأقول كيف نجمع بين شق امرأة والرحمة ؟
وكيف نطابق قوله، وانك لعلى خلق عظيم مع الأعمال الدموية المذكورة في بطون التأريخ ؟ وكيف يفعل أو يأمر  ؟؟
لكن تميز الباحث كما تألق سابقا في بحثه ( خرافة كثرة زوجات الإمام الكاظم ع" ) فبدأ الطائي من الإذن بالقتال، وما هي آيات القتال والسيف ؟ وما موقع الرسول من الغزوات ؟ وكم غزوة ؟ ومالفرق بين الغزوة والسرايا ؟ وماهي تفاصيل كل غزوة أو سرية ؟  وما سبب حدوث كلّ واحدة ؟ وما الدافع الألهي من كلّ حدث ؟ .. لحين يصل إلى الغزوة السادسة ( عنوان الكتاب ) لزيد بن حارثة ( أبن الرسول بالتبني ) وماهي الرواية التي تحوك فعلاً لزيد، على أنه شق امرأة عجوز الى نصفين ..! وهل ما فعله زيد بسبب ردة فعل وثأر شخصيّ؛ لأن أم قرفة الفزارية كانت سيدة قومها، وتعرضوا لزيد في الطريق، ومن أجل ذلك ثارت ثورته وعاد لرسول، والرسول دفعه إلى مهاجمة هذا القوم، والمجيء بأم قرفة اسيرة، ومن ثم قتلها بطريقة وحشية .. والأدهي وهي نقطة أنفجار فكرة الطائي، فهل يعقل هذا وبموافقة رسول الرحمة  ؟؟
فقدم بحثاً مفصلاً لكل حادثة لمصادر وأدلة من القرآن والسنة، لحين يثبت للقراء بمختلف توجهاتهم الفكرية ( إذا كنت إسلامياً مفتخراً بهذه الفعلة، أو كنت حراً شاكلاً على الإسلام وأفعاله وكما تداولت هذه الصورة في المواقع الإلكترونية على هذه الفعلة..! )
وبالتالي هدم هذه الحادثة بسلاسة دون أن تحس إلا وابصمت بنفسك الموافقة بلا تحيز ، وبدون أن يفرض شيئاً على خواطر القارئ، ومن ثم هدم تفسير الآيات الدموية قائلاً أنها أسست الثقافة الدموية عبر العصور حيث تبنتها الجماعات التكفيرية، ففتحت من خلالها بلدان وشنت بها حروباً مفتوحة ومحاربة الكفار بكل أنواعهم ...! اذ لعله لا يوجد في القران الكريم كله آية واحدة أتكأت عليها الجماعات التكفيرية في تبرير دمويتها وعنفها، وإنما هي آيات مرحلية لضعف الاسلام في بداية انطلاقه ... وأيضاً يتطرق الطائي لنفس الحادثة لسرية كرز بن جابر القهري الى العرنيين ومافعله بهم وينفي سلوك التوحش الذي ظهرَ في هذه السرية وواقعتها.
وسبب نجاح البحث لأنه تجرد من عواطفه وقام بالكتابة ..! وهذا ما دعاني الى التفكير الجاد لمراجعة بعض الكُتاب المهمين الذين اعادوا قراءة التراث الإسلامي والعربي قراءة واضحة، وبعقلانية نقدية بدون تزويق أو إضافات معينة ؛ أمثال محمد عابد الجابري ومحمد اركون وعبد الجبار الرفاعي  ونصر حامد أبو زيد.. الخ.  فنحن نحتاج إلى التجديد بكل أنواعه لأن نصوص الشريعة محدودة والحوادث والوقائع ممدودة، بعكس الأفكار الشائعة فإن التراث الفكري الإسلامي القديم لم يبق جامداً طيلة هذه القرون، بل تعضد بتحولات عميقة سواء كان ذلك على مستوى النظم العقائدية، أو على مستوى الممارسة التاريخية والجغرافية والسياسية والثقافية.
علي عرار