10‏/04‏/2020

الفرهود هوسة وعقيدة







الفرهود ظاهرة سرقة جماعية للمال العام والخاص تقوم بها مجاميع منفلتة، رافقت حلقات تاريخنا الإنساني عبر العصور، وهي بالنسبة للعرب مشخصة منذ العصر الجاهلي مرورا بالغزوات الإسلامية، وصولا إلى حلقات تاريخنا المتأخرة، وإلى يومنا الحاضر، وستكون موجودة في مستقبل الأيام بالتأكيد، وهي ليست من مخصوصات العراقيين أو العرب وحدهم وإنما تشاركهم في فعلها أكثر الدول المتقدمة مثل أمريكا التي كان آخر فرهود فيها قبل أيام بعد ان عطل فيروس كورونا حياة الأمريكيين!.
الغريب بالنسبة إلينا نحن العراقيين أن الظاهرة لا تقتصر على السرقة بسبب الفاقة والحاجة وإنما تتحول إلى مناسبة للفرح أو التندر والفكاهة، وكانت (الهوسات) ترافق هذا الفعل اللا أخلاقي مثل:
هوسة: (اصفركم ليش محيلينه .. وللموت جنكم ضامينه)، أطلقها الغوغاء الذين هاجموا بساتين البرتقال في ديالى، والمعروف أن أهل ديالى لا يجنون محصول البرتقال إلا في آخر الموسم وربما إلى حلول الربيع لسببين: الأول أن ترتوي الثمرة وتتركز المواد السكرية فيها، والثاني أن لا يجد من ينافسه في السعر فيحقق أرباحا طائلة.
وهوسة: (اشحلو الفرهود كون يصير يوميه) وغيرها، هذه الهوسة التي ترددت مع عمليات السرقة والتخريب التي رافقت دخول القوات الأمريكية الغازية إلى العراق، حيث عبث الغوغاء بالمعامل والمصانع والشركات والأسواق والممتلكات الخاصة والعامة بشكل جنوني.
ومعنى الفرهود لغة يختلف كثيرا عن معناه الاصطلاحي المتداول، فهو في اللغة: الغلام السمين الناعم، شبل الأسد، ولد الوعل، ولد الشاة. أما اصطلاحا فهو من مخلفات الحكم العثماني، فالدولة العثمانية لم تكن تدفع لجنودها مرتباتهم بانتظام، فإذا اشتدت حاجتهم يجتمعون ويهجمون على اسواق بغداد فينهبون كل ما فيها, فاعتاد الناس على ذلك الفعل المشين وسموه: فرهود.
وخلال أغلب وقعات الفرهود، باستثناء بعض الحالات، كان السارق والمسروق من نفس الجنس والعرق والأصل والوطن والديرة وغالبا القومية والدين.
وتسببت كل عمليات الفرهود في خراب البلد وخراب نفوس أهله، ويكاد فرهود عام 2003 أن يكون أكثرها تخريبا وتحطيما وتدميرا لأنه نفذ وطبق على مراحل، تمثلت الأولى في سرقة منظمة لكل شيء بما في ذلك أدوات التصنيع في الشركات الكبرى، ومن خلال مرحلته الثانية، سرق الوطن كل الوطن، وكل ما فيه وصولا إلى تاريخه وآثاره وتراثه ومدخراته وعلومه ومخطوطاته، ومن ثم الوطن وحيثياته وقطاع الصناعة وآلياته وقطاع الزراعة ومعداته، وآخرها فرهدة يقين الإنسان العراقي.
السؤال المهم: هل أن جميع شعوب العالم تملك مثل هذه المحفزات الأخلاقية التي تدفعها للسرقة عندما تتاح لها الفرص، ولاسيما وأننا عايشنا خلال الثمانينات الفرهود الذي حدث في بعض الولايات الأمريكية، والذي تكرر وقوه مؤخرا؟
والأسئلة الأهم: لماذا امتنعت الجامعات العراقية عن تكليف أحد طلاب الدراسات العليا للكتابة عن الظاهرة وأثرها على المجتمع؟ ولماذا عزف الباحثون عن الكتابة التحليلية في هذا الأمر الخطير إلا ما ندر؟ وهل لحالة الفقر العام علاقة بحدوث هذه الظاهرة أم أنها متأصلة في النفوس؟ ولذا تندلع أعمال الفرهود متى ما سنحت الفرصة وكأن هناك استعدادا فطريا هو الذي يهيئ بعض الناس لارتكاب جريمة الفرهدة.