"إهداء إلى الأستاذ العَلاّمة والباحث الفَهّامة الأديب
الحبيب الصّالح صالح الطّائيّ وجميع الزّملاء والزّميلات أدباء وأديبات وشاعرات
وشعرا ومدراء التحرير في موقعي "المثقّف" و"مركز النّور" أعظم
موقعين للأدب العربي المعاصر.."
باحترام ومحبّة/ سعود الأسدي
بهذه الكلمات العذبة أهداني شاعر فلسطين الكبير سعود الأسدي هذه القصيدة العصماء في عام 2005 وقد أعاد نشرها اليوم فذكرني بها ولم أجد ما أقدمه له ردا لجميله سوى أن أتشرف بنشرها في مدونتي المتواضعة
بغداد على الصليب ( يوم غزا الأمريكان ومن خلفهم العراق)
بغـدادُ يا مُهْجتي! يا نَبْضَ شِرْياني!***** غَنَّيتُ فيـكِ مواويـلي
بألحـاني
غنّيـتُ تمّـوزَ لمّــا ثارَ ثائـرُهُ ***** صيفًا فصارَ ربيعـاً مثلَ
نيسـانِ
هاتي" الأبوذيَّـة "َ السمـراءَ أَعْزِفُها***** عَزْفًا يفوقُ
عزيفَ الإنسِ والجـانِ
وَرَدِّدي من "عتـابا جاسـمٍ" فأنا ـ*****ا مُتَيّـمٌ بعتـابـا
فيـكِ تلقـاني
هاتي القصيدَ رُؤَىً من بابلٍ صَرَفَتْ***** عنّي شديــدَ عَذابـاتي
وأحْزاني
من عهدِ "جلجامشٍ" والشعرُ ملحمةٌ***** فاقَتْ ملاحـمَ يونـانٍ
ورومـانِ
و" جالغي بغـدادَ " يا بغـدادُ أعشقُهُ***** عشقًا أباحَ شَـذَى
وَرْدِي ورَيْحاني
بالدفِّ والجُنْكِ والسَّنْتورِ مُصْطَفِقاً***** أيقاعَ حُبِّــكِ في
ترتيـلِ كُهَّــانِ
من عَهْـدِ " أنليـلَ " فيه الرُّوحُ ساريةٌ ***** كالنَّهـرِ
بينَ روابي الرنْـدِ والبانِ
أختُ الرشيدِ وإني فيـكِ أذكرُها ***** وهي التي أقْسَمَتْ بي ليس تنساني
وكيفَ تنسَى الذى أهدَى حُشاشَتَه ُ***** شقائــقَ النعمةِ الكبرَى لنعمانِ
من كلِّ فينـانةٍ تهفــو برونقِها ***** في روضـةِ الحُبِّ والذكرى لفينانِ
بغـدادُ والصمتُ تعبيرٌ على مَضَضٍ***** فإنْ صَمَـتُّ فقلبي مثـلُ
بُـركانِ
عَلّقْتُ عودي ببستانِ الفُراتِ *****على قـوسٍ لنخلةِ جُــوْدٍ قُطْفُها
داني
وَخُضْتُ في دَجْلَةٍ والشّوقُ يغمرُني***** بقُبْلةِ الشِّعْرِ من عطــفٍ
وتحنانِ
كانتْ من المتنبّـي نِعْـمَ ما تَرَكَتْ***** علـى جبينِ لقـائي حيـنَ
حَيّاني
عَفْوًاً أباالطيِّبِ الكِنْـدِيِّ أنتَ لَظَىً***** عَمَرْتَ من وَهْجِكَ
الحَرّاقِ وجداني
ديـوانُ شِعْرِكَ قد سطّرْتُهُ شَغَفـاً ***** حَرْفاً بحـرفٍ وما
سَطَّرْتُ ديـواني
ورحتُ أحفـظُ من آياتِــهِ عَجَباً ***** بما تضمَّـنَ مـن سِحْـرٍ
وتبيـانِ
أدهشْــتُ كلَّ الأُلى عَلَّمْتُهُمْ وَبِـهِ ***** لم ألْـقَ طالبَ شِعْرٍ
غيرَ دَهْشـانِ
به عدوتُ بميدانِ القصيدِ علـــى***** مُهْـرٍ أصيـلٍ وما قصّرتُ ميداني
وَرُحْتُ أهْمِـي لَدَى أهلي لَدَى حُلْـمٍ***** ثَرٍّ أثيـرٍ بهِ
كَحَّلْتُ أجْفـاني
نهرانِ كمْ رَدَّدا للمجـدِ أُغنيــةً***** كانتْ نشيــداً لقحطانٍ وعدنانِ
سُقِيْتُ عذبـاً فراتــًا من عيونِِهما***** كدمعـةِ الزِّقِّ أُسْقــاها
بفنجانِ
وقد شكـرتُ ولا مَنٌّ لفضلِهمــا ***** والفضلُ وافٍ ولا يُوفيـهِ شُكراني
وكلُّ من جَحَــدُوا بغدادَ أعرفُهم***** بهـم شقيـتُ بنو عمّي وإخـواني
قد أنكروا العيشَ والمِلْحَ الذي أكلُوا ***** كأنّ جيرانَهُم ليسوا
بجيـرانِ
تَقَمَّصُوا الغَـدْرَ واسْتَعْدَوْا أعاديَهم ***** على شقيـقٍ جَزَاهُمْ
خيرَ إحْسـانِ
يا نَحْسَ ما جلبُوا يا تَعْسَ ما ارتكُبوا ***** بما تمخّضَ من حِقْـــدٍ
وشَنْئانِ
سَحْقـاً لقَـادتِهِمْ مَحْـقاً لسَادتِهِمْ***** وإنّهُمْ وُلِـدُوا
بالفُجْــرِ من زانِ
هُـمْ يخضعونَ ، عبيـدٌ للألى طَمِعُوا في النَّفْـطِ نَهْبًا وفي خيراتِ
أوطاني
ومَنْ أُعَـدِّدُ من أشــرارِهِمْ وَهُمُ***** كُثْرٌ وقد أُسقِطُوا من
كلِّ حُسْبـانِ
لاطُوا وشاطُوا شياطينٌ مُسَلَّطَةٌ ***** تَبُّوا وما كُلُّ شَيْطــانٍ
بِلَيْطانِ
قد خـانَ يُوْضاسُ عيسى حينَ أسلمَهُ***** بفضّـةٍ وانثَـنى في زِيِّ
نَدْمـانِ
لكنَّني صـرتُ يا بغـدادُ في عَجَـبٍ***** إذْْ فيك مليـونُ يوضاسٍ
وخَـَوّان
لكنهم يا لَهــولِ الخطـبِ ما نَدِمُوا***** فَلْـيُلْعَنُوا عَلَنــاً من
كلّ لَعّـانِ
وفيكِ مليـونُ جاسـوسٍ وقد شَرِبواا***** نجيعَ من جابَهوا مليـونَ
سَجّـانِ
بَثُّـوا شياطينَهـم في كلِّ زاويــةٍ **** فأينَما سِرْتَ تُبْصِـرْ
وَجْـهَ شيطانِ
بغدادُ شُدّي بحبـلِ الصّبرِ وانتظـري ***** هُمْ يَعْمَهُــونَ بتضليلٍ
وطُغْيـانِ
لا تيأسي فالمسيحُ السَّمْحُ قد خُضِبَتْ***** أضلاعُهُ بالنجيـعِ
الأحْمَــرِ القاني
حتى إذا شمسُــه أَضْحَـْت أطلّ بها ****فوقَ الصّليـبِ وَوَلَّى دُبْرَهُ
الجـاني
فإن صُلِبْتِ فإنّ الصَلْـــبَ آخرُهُ***** دَحْرٌ لمن قد أتى جَهْــرًا
بعـدوانِ
طوبى إليك وفيكِ الشعـبُ ذو سَهَرٍ ***** يَقْظانُ أيْقَـظُ من حَيِّ بنِ
يقظـانِ
قد ثارَ في وجـهِ من جاءوا بحجتهم *****كذباً وتدجيلُهـم تدجيلُ عُـوْران
ومن تألَّـــهَ منهـم باتَ في عَتَهٍ*****وغِرَّةٍ فهـــو والنّمرودُ
سِيّـانِ
وَرُبّ برغشـــةٍ آذتْ مسامعَـه***** فصارَ في حـال مصروعٍ ويأسـانِ
والسحـرُ صارَ على السحّارِ مُنقلباً***** والشّـرُّ عـادَ عليـه وهـو
شرّانِ
بغدادُ والشِّعْــرُ بي قد طافَ طائفُهُ *****وهو الذي مَسْرَبَ الآلامِ
مَشّاني
وقد تَحَمَّلْتُ كي أحْظَى بجنةِ من ***** صانوا العُهُـودَ لحامي البيتِ
والباني
أنتِ المنارةُ يا بغـــدادُ من قِدَمٍ *****غنّيتُ مجـدَك في ترتيـــلِ
قرآنِ
فأن سألتِ أيا بغــدادُ عن صفتي***** فإنما بـكِ قد أعلنتُ إيمــــاني
إنِّي الإمامُ لمن يَهْوَى العــراقَ أنا *****من العـراقِ وعِـْرقي منـه
عِرْقان
عِـْـرقُ الثقـافةِ تغذوني بنعمتِها ***** وعـرقُ أصلي وعرقي منه جَيْـلاني
أني لعينيــكِ يا بغـدادُ فامتحني***** صِدْقــي لَدَيْـكِ وإنّ الصِّـدقَ
نجّاني
تُيِّمْتُ فيــك وإن الحُبَّ أسْكَرَني***** حتى رَقَصْتُ وإنَّ الرقـصَ
أعيـاني
لولا بقيةُ عقــلٍ بي سقطتُ لَقَىً ***** من شدةِ الوَجْدِ أو مَزّقتُ
قُمْصـاني
يا نوبةَ الوَجْـدِ ألقي بي على شَغَفٍ *****بمن يُغَنِّي ومن بالشَّــوْقِ
أَغْنـاني
أنا حنيــنٌ إلى زِرْيـابَ أسْمَعُهُ ***** في يـومِ أنْ كانَ أُستـاذاً
ببغـدانِ
رَفْـرِفْ بقلبيَ يا زريابُ ها أنا ذا***** أعلّـمُ الطيرَ فَنّاً فـوقَ
أفْنـانِ
من الجليــلِ أنا شَجْـوٌ وناصرتي***** تعتـزُّ بي ناصـرًا أهلي وخُـلاّني
شِعْري نَمَتْهُ فلسطيـنٌ تُوَشِّحُـهُ***** زهورُ حُبٍّ غَدَتْ تزهـو
بأفنـانِ
مُضَمَّخاتٌ وذي ألوانُها اقْـتُبِسَتْ***** من بيـرقٍ في سماءِ القدسِ
هَيْمـانِ
من بلدةِ التيـنِ والزيتونِ قد نزلت***** لأهلِـها سُـوَرٌ من عهـدِ كنعانِ
كوني فكانتْ وشعري نارُهُ انقدَحَتْ***** كقدحِكَ النـارَ من زَنْـدٍ
بصَوّانِ
كنارِ بغـدادَ لمـا رُحْـتُ أجمعُهـا *****بنارِ شِعْــــريَ نيراناً
بنيـرانِ
لأهلِ بغـدادَ إنّيْ رافــعٌ عَلَمـاً ***** أللهُ أكبرُ قـد ضَمَّـاهُ
نَجْمــانِ
لأهلِ بغــدادَ إني منشــدٌ أمَلاً *****ومُعْلِــنٌ لجميـعِ الناسِ
إعـلاني
إنّ العــراقَ عراقـي مَنْ يُسالِمُه ُ***** مسالمٌ ليْ ومن عَــاداهُ
عــاداني
ـــــــــــــــ
هوامش ومفردات :
المواويل: مفردها موّال فنّ من فنون الزجل المغنّى وأشهرها الموّال
البغداديّ. الأبوذيّة: لون من ألوان الزجل، يقال بنفس شروط بيت العتابا يختم بهاء
كقولك الحميّه، الرديّة، البليّه.
جاسم: هو جاسم الجبوري من الجزيرة الفراتيّة، أشهر من غنّى العتابا في بلاد
الرافدين حتى قيل عتابا جبورية.
ملحمة جلجامش: أقدم ملحمة شعرية بابلية اكتشفت على ألواح مسماريّة.
جالغي بغداد: كلمة جالغي تركيّة تعني جماعة المغنين، وتعني بالمصطلح
العراقي حفلات غنائية موسيقيّة، لها تقاليد خاصّة، كانت ولا تزال تقام في بغداد،
وأدواتها الموسيقية السنطور والجوزة والدنبك والدفّ والنقّارة.
أنليل: كبير آلهة الكلدانيين.
يوضاس: هو يهوذا الإسخريوطي أحد تلاميذ المسيح الأثني عشرة، وقد قبض ثمن
تسليم معلمه إلى أعدائه ثلاثين من الفضة، فماذا قبض يا ترى اليوضاسيون العراقيون وغير
العراقيين ثمن تسليم بغداد والعراق؟
حيّ بن يقظان: بطل قصّة فلسفيّة رائعة عند ابن طُفيل وابن سينا
والسهرُورديّ، وقد تخلّق حيّ بن يقظان من طينة بقوة الطبيعة، وحنّت عليه غزالة
فأرضعته، واستطاع بقوّة عقلة وتأمّله بلوغ أقصى درجات المعرفة.
النمرود: ملك جبار ادّعى الإلوهية فكان عقابه أن دخلت برغشة (حشرة دقيقة
جدا) أذنه، وظلّت تزمزم إلى أن قضت عليه.
الجيلاني: هو الشيخ الأكبر عبد القادر الجيلاني (1077ـ 1166) ومقامه شهير
في بغداد.
زرياب: أكبر موسيقيّي بغداد أخذ الغناء عن إسحق الموصلي، ورحل عن بغداد
بسبب مؤامرة عليه لتفوّقه، وعاش في الأندلس، وقد جلب معه تقاليد موسيقى بغداد
وحضارتها توفِّي نحو845 م