جميع النواب والسياسيين العراقيين منذ عام 2003 ولغاية هذه الساعة جاءوا
إلى الحكم وهم حفاة عراة تبدو ملامح الإهمال على ملابسهم والإنهاك على وجوههم،
وأسنانهم الصفراء التي لم تنل قسطا من العناية، ثم بين ليلة وضحاها، تحولوا إلى
نجوم سينما من الدرجة الأولى، ملابس فاخرة، وإكسسوارات أفخر، وأسنان بيضاء كأسنان
نجمات السينما، فشعروا بالفرق الكبير، وأيقنوا أن دوام نعيمهم بدوام بقائهم في
مناصبهم وعلى كراسيهم، ولذا قاتلوا وتقاتلوا للحفاظ على مكاسبهم، وأهملوا الشعب
والوطن، والنكاية الكبرى أن كثيرا منهم، يدعون الإسلام، ويعلنون للملأ أنهم
متمسكون بأحكام الشريعة، وأداء طقوس العبادات، وان الله هو الذي اختارهم للقيام
بمهمة خدمة الأمة والدين.
والنتيجة قبالة نعيمهم تفشى الفقر والجهل، وتضاعف عدد الأرامل والأيتام،
وشاع الانحراف والعلمانية والإلحاد، وانتشر كره الوطن وذلك كله لم يؤثر فيهم ولم
يؤنب ضميرهم، بل ازدادوا عتوا وتكبرا وتجبرا وطغيانا، ثم تراهم في المناسبات
الدينية يشاركون الناس فيوزعون الطعام لدقائق تحيط بهم كاميرات الصحفيين ووكالات
الأنباء، ليثبتوا ولاءهم للدين.
وهم أبعد خلق الله عن الدين والشريعة، فأين أنتم أيها الحمقى من سلمان
الفارسي! ولو كنتم متدينين حقا لماذا لم تتبعوا منهجه؟
أتعرفون شيئا عن سلمان(رضي الله عنه) سلمان الذي عين وال على المدائن؟
قال أبو المليح عن دخول سلمان إلى المدائن واليا: رأيت سلمان على حمار عرة
وعليه قميص قصير ضيق يصل إلى ركبته، لأنه كان طويلا. فرتب له عطاء خمسة آلاف درهم،
كان يستلمها ويوزعها كلها على الفقراء ويعيش من جدل الخوص.
وكانت عليه عباءة يفترش نصفها ليجلس، ورفض أن يبنوا له بيت إمارة فبنوا له بيتا
يستظل فيه من الحر والبرد عبارة عن غرفة بسيطة، إذا قام أصاب السقف رأسه، وإذا
اضطجع أصاب الجدار رجليه.
روى الرواة عن سلمان أنه رآه شاميا قدما إلى المدائن ومعه حمل تبن وتمر،
وكان سلمان بعباءة بالية، فظنه الشامي مسكينا وطلب منه أن يساعده في حمل متاعه،
فحمله معه ودخلا المدينة، وكان الناس إذا شاهدوهما قاموا وقوفا، ليردوا على سلام
سلمان بقولهم: عليك السلام أيها الأمير. فعرف الشامي خطأه وأعتذر من سلمان لكنه
أصر أن يوصله إلى المكان الذي كان يقصده.
وحينما مرض سلمان عاده سعد بن أبي وقاص فوجده يبكي، فسأله: ما يبكيك يا أبا
عبد الله، وقد توفي رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو عنك راض؟
فقال: والله ما أبكي جزعا من الموت، ولا حرصا على الدنيا، ولكن رسول الله
عهد إلينا عهدا فقال: ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب، وها أنا ذا حولي هذه
الأساود!
قال سعد: فنظرت، فلم أر حوله إلا جفنة ومطهرة!
والجفنة: القصعة الصغيرة، والمطهرة: إبريق للوضوء وغسل الأيدي. هذا كل ما
تركه سلمان؛ الذي قال عنه رسول الله(صلى الله عليه وآله): "سلمان منا آل
البيت"، ومع هذا كان يبكي خوفا وفرقا من الله تعالى لأنه سيتركهما بعد موته،
فماذا ستقولون لربكم وأنتم تكتنزون المليارات من المال الحرام يا أولاد اللئام؟.