فبركة الأخبار وصياغتها مهنيا

كتبت قبل أيام عن القوة الناعمة ودورها في تمرير الطبخات وقد وجدت في خبر انفردت بنشره وكالة بابل24 (*) أنموذجا رائعا للجهد الذي يبذله المتخصصون لخلق الخبر وإلباسه لبوس المصداقية والإقناع، وهذا الأمر طبعا إن تمكن من المرور على غير المطلعين على خفايا صناعة الخبر لا يمكن أن يمر على ذوي الاختصاص الذين يبذلون جهدا مضنيا لامتحانه وتسقيطه إذا لم يكن صادقا

يقول الخبر

بغداد/بابل 24/..

""حالات اسهال وتقيوء واعياء، استقبلتها مستشفى ابن سينا في المنطقة الخضراء المحصنة، خلال اليومين الماضيين، نتيجة تناول المصابين طعاما في ابرز المطاعم في المنطقة.

وقالت احدى الطبيبات في المستشفى لـ/بابل 24/ ان "العشرات من ساكني المنطقة والموظفين في داخلها نقلوا الى ابن سيناء في غضون اليومين الماضيين، نتيجة حصول حالات تسمم شديدة بعضها وصل لمرحلة الاعياء".

واضافت "المصابين ذكروا انهم تناولوا فطورهم في مطعم بابلون الشهير، والذي يقدم الفطور الصباحي للعديد من الفاطرين خلال شهر رمضان"، متابعة ان "جميع المصابين اكدوا لنا انهم تناولوا طبقا من البيض المقلي، وهو الوجبة الوحيدة التي يقدمها المطعم على ما يبدو، وان التحليلات تشير الى تناول العديد من المصابين بيضا فاسدا".

من جهته ذكر احد العاملين في المستشفى ان "بعض المصابين مكثوا في المستشفى لساعات طويلة تحت المراقبة نتيجة التسمم الشديد"، مبينا ان "التعليمات تلزم الاطباء ابلاغ وزارة الصحة بوجود اطعمة فاسدة، لكنها لم تفعل، نظرا لاهمية المطعم وسمعته وتابعيته".

واضاف ان "بعض الاطباء اشار الى تناول المرضى بيضا فاسدا من مطعم بابلون، في حين اشار طبيب اخر الى وجود جرثومة في المطعم يجب الالتفات اليها، لكن دون جدوى"، لافتا الى ان "مدير المستشفى هو المعني برفع التقرير الى وزارة الصحة".

يشار الى ان المطعم مملوك لاحد الشخصيات السياسية المقربة من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ويعد احد المطاعم المجازة لتقديم وجبات الفطور الصباحي والغداء.

وتؤشر هذه الاصابات في المنطقة الخضراء الى وجود حالات افطار كبيرة داخل المنطقة الخضراء، دون التعرض لهم من قبل القوات الامنية وحسب ضوابط وزارة الداخلية، التي طبقت بشكل "مبالغ" في المناطق الاخرى من بغداد، واثارت حفيظة النشطاء واصبحت موقع تهكم شديد"".

ما أراده صانع هذا الخبر قوله وتمريره هو خلط الأوراق وتوجيه بعض الطعون من خلال ربط عدة أحداث مثل:

1ـ إصابة العشرات من سكان المنطقة الخضراء بالتسمم.

2ـ  أن هناك مطاعم ممتازة في المنطقة الخضراء تميزها طبقيا عن باقي مناطق بغداد.

3ـ  أن أطباء مستشفى ابن سينا الخاص للمنطقة الخضراء، خالفوا التعليمات التي تلزمهم إبلاغ وزارة الصحة عن بعض الحالات مثل تسبب أطعمة فاسدة بحالات تسمم، نظرا لأهمية المطعم وتابعيته.

4ـ أن المطعم المخالف مملوك لشخصية سياسية مقربة من رئيس الوزراء السابق، ومدعومة منه، لا تخشى ارتكاب المخالفات.

5ـ أن إجازات فتح المطاعم في أيام رمضان (المطاعم المجازة لتقديم وجبات الطعام) تخصص لمثل هذه المطاعم المدعومة لزيارة أرباحها.
6ـ أن كثرة حالات التسمم تؤشر إلى تفشي ظاهرة عدم الصيام (الإفطار) بين سكان المنطقة الخضراء، وتؤكد وجود حالات إفطار كبيرة بين سكانها، وهذا خلاف ما يدعونه بصفتهم أحزاب دينية.

7ـ  أن قانون منع الإفطار العلني لا يطبق على سكان الخضراء لأن القوات الأمنية تخشى التعرض لهم.

8ـ أن ضوابط  منع التجاهر بالإفطار طبقتها وزارة الداخلية  بشكل مبالغ فيه في المناطق الأخرى من بغداد.

9ـ أن كل ما يحدث في المنطقة الخضراء يثير حفيظة النشطاء، ويصبح مادة للتهكم الشديد.

إن من يتمكن من جمع شتات هذه المواضيع المختلفة وتقديمها من خلال خبر واحد لابد وان يكون متمرسا في صناعة الأخبار، بل أستاذا في هذا المجال النادر جدا؛ الذي يتميز به الذين يعملون في قناتي الجزيرة والعربية الفضائيتين على وجه التحديد في الوطن العربي، والقنوات الصهيونية في إسرائيل بالنسبة للمنطقة، والـ(BBC) البريطانية بالنسبة للعالم، وبالتالي ممكن أن نستنتج أن وكالة (بابل 24) إما أن تكون قد سرقت الخبر ونقلته حرفيا دون أن تفطن لمحتواه الخطير، أو أنها فرع لواحدة من الجهات التي ذكرناها أعلاه، وواجهة من واجهات تمرير الطبخات السياسية في المنطقة!

(*) الخبر منشور في الرابط http://babil24.com/ar/news/46800/مستشفى-ابن-سينا-تستقبل-العشرات-من-مفطرو-المنطقة-الخضراء