31‏/07‏/2016

الكوت في القلب





جئتها مهجرا، فقد حريته؛ يوم خطفوه، وعذبوه ثلاث عشرة ظلمة ونهار، واسترد وجوده عنوة يوم تحرر؛ وهو الذي كان ممدودا على حافات الموت، ينتظر جزاره أن ينجز عمله في أية لحظة!.
جئتها مخلفا ورائي تاريخا وجهدا وأموالا وبيتا ومزرعة وذكريات وأصدقاء وأهلا وأقرباء ومدينة أحبها، وسنينا أعشقها.
جئتها وأنا أظن أن لا أرض ستعوضني عما فقدت، ولا أهل يؤنسون وحدتي بدل من فارقت، وإذا بها واسط النقاء والبقاء والكرم، تفتح ذراعيها لتضمني كما الحبيب، وأهلها يفتحون قلوبهم، لتصبح الوطن، وليصبحوا الأهل والأقرباء والأصدقاء والجيران.
وفي دنيا التوحش والافتراس والخوف من كل شيء؛ إذا حصل الإنسان على ما حصلت أنا عليه، فكل ما سواه يهون.!

شكرا لكِ
أيتها السيدة الموقرة
الحضرية البدوية
أيتها السيدة المبجلة
يا سيدة الزمن الجميل
والليل الجميل والنهار الجميل والعشق الجميل
*     *     *
شكرا لك
أيتها السيدة البهية الجميلة العفيفة النقية
يا عبق التاريخ والسنين والأفراح والجنون
يا ذكريات أمسنا المحزون
تحملها القلوب والعيون
أيتها المملوءة عشقا وحنينا
أيتها الرائعة العذراء
يا عذبة الملامح
يا الفقيرة الغنية الندية الأبية
يا طيبة الجنوب والتاريخ والحضارة
يا قمة الجمال والعفاف والنضارة
يا ضحكة القباب والآذان والمنارة
*     *     *
واسط يا سيدة الدهور وجميلة العصور
بحضنها غفا التاريخ متكئا
يسمع القصة الألف بعد الألف بعد الألف
متربصا متلصصا متحفزا
يسرق من ثغرها ابتسامة
ومن قوامها ووجها الضحوك
فاز بمليون علامة
ويفتخر مما يرى أمامه
*     *     *
واسط يا سيدة اللاعودة في القرار
جامعة الضدين الرقراق والحرّاق
والليل والنهار والسهل والوجار
لقد آنستِ وحشتي
أعدتِ ليْ حريتي
أمنتني في غربتي
يوم لملمتِ هجرتي وتشردي
وحنوتِ عليّ حنو الوالد الفئد
وأنا الذي قد جئتها بالأمس أحمل كمدي
أنوء بحلم تافه في رأسي الصدي
فغالبتْ جراحها وضمدت تشردي
ومنحتني قبلة ودعوة كريمة
وكوة أطل من فضائها نحو الغدِ
يا واسط الغد الجميل كفاك تعربدي

أبقاك ربي موطني ومسكني ومسجدي