04‏/12‏/2016

قراءة علي الخباز لكتابي "علي بن أبي طالب (ع) الحاكم الديني للدولة المدنية






إصدار وحوار..
إصدار جديد بعنوان (علي بن أبي طالب الحاكم الديني للدولة المدنية)
للباحث والمفكر الأستاذ صالح الطائي
إصدار جديد للباحث والمفكر الأستاذ صالح الطائي بعنوان (علي بن أبي طالب الحاكم الديني للدولة المدنية) من منشورات دار معالم الفكر في بيروت.
يتناول الكتاب الرؤية الإسلامية للدولة المدنية بمنظور جديد. الدولة الوطنية الدستورية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية، وتنوع التيارات الفكرية والثقافية لم تكن غائبة عن المشروع العلوي الذي نجد فيه مفاهيم غاية في الرقي، تتزاحم لكي تحول الإنسان إلى كائن سام مملوء بالكرامة والسعادة والسلام، ولكن السياسة العربية التي عرقلت المشروع الإسلامي برمته، هي التي عرقلت نمو هذه الدولة المدنية العلوية..
صدى الروضتين أجرت حواراً مع السيد المؤلف يدور في معنى هذا المؤلف وحيثياته:
- هل ما قدمته في هذا الكتاب هو دراسة عن الرؤية السياسية لحكومة الامام علي (عليه السلام)؟
من خلال أكثر من سبعة مؤلفات، كانت لي وقفات من الرؤية السياسية التي تحكمت بمصير القرن الهجري الأول، أوضحت من خلالها أن هناك رؤية سياسية متطورة نسبة إلى ذلك العصر، تمكنت من مزاحمة ومنافسة الدين، ونجحت في تحجيمه وإيقافه عند محطات معينة حيث تولت القيادة نيابة عنه وباسمه... قصدي من هذه المقدمة الإشارة إلى أثر الرؤية السياسية في ذلك المجتمع، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) بما معروف عنه أولى من غيره بأن يكون صاحب رؤية سياسية وخبرة وحنكة لم يكن الآخرون يملكون أن يصلوا إلى مستوياتها مطلقا، هذه الرؤية لم تكن محور كتابي، بل كانت معيناً لي في الوصول إلى الغاية من الكتاب.
لقد جاء الكتاب للرد على ما يروج له العلمانيون عن ضرورة فصل الدين عن السياسية أو حسب تعبيراتهم (إسقاط النظام الديني وقيام النظام المدني) وهي مجرد محاولة بسيطة تؤسس لفكرة رفض مصادرة حق الدين باسم التحرر والمدنية.
- هل تناقش المسألة التنظيرية لحكومة الامام علي (عليه السلام) ام التجربة الواقعية التي عانت من تحديات كثيرة؟ الحكومة هددت من اكثر من جهة، واشتركت في حروب عديدة معدة سلفاً، وانتهت بقتل قائد التجربة؟
من الجدير بنا البحث في المناطق المسكوت عنها من الفكر العلوي، فذلك سوف يجعل الكثير من الخفايا تتكشف أمامنا، والكثير من الأسرار لا تعود أسرارا، أكثر من رواية تاريخية أشارت إلى أن الإمام علياً (عليه السلام) بويع للخلافة يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين للهجرة، وفي اليوم الثاني ارتقى منبر رسول الله (ص) وخطب في الناس قائلاً: "إن الله تعالى أنزل كتاباً هادياً بيّن فيه الخير والشر، فخذوا بالخير ودعوا الشر" واستمر بالحديث إلى أن قال: "اتقوا الله عباده في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم".
ولو أضفنا إلى هذه الرؤية موقف بعض المسلمين من علي (عليه السلام) حيث رفعه بعضهم إلى درجة الربوبية، وتطاول عليه الآخر بأشنع الألفاظ، كل ذلك جعل منه حافة ناتئة يعده البعض نتوءاً خطراً على الإسلام الذي صنعوه، ويعده القسم الآخر السند المتين لبقاء الدين وصموده.
وبالتالي، وجد المشروع العلوي الكثير من المتحدين الشرسين؛ لأنه هدد مصالحهم في الصميم، وسفه أحلامهم التي حلموا من خلالها بغد وردي يرفلون فيه بالعز والغنى..
وحتى على مستوى الخارج، وجدت الامبراطوريات المحيطة بالعالم الإسلامي أن نجاح المشروع العلوي سوف يقوّض ما جاهدوا لترسيخه.. معنى هذا أن مشروع علي (عليه السلام) وجد أكثر من عقبة وأكثر من محاولة لإيقافه عند حده.
إن من ينظر إلى طبيعة الحروب الثلاث التي فرضت على الإمام والانتقال من دعوى (الإصلاح) إلى دعوى طلب (الثأر) إلى دعوى (التكفير)، يتأكد بما لا يقبل الشك أن المشروع العلوي هدد مصالح الكثير من الأطراف، وأن الأطراف اشتركت كلها في اعتراض مشروعه.
والذي أراه أنهم لو لم ينجحوا في اغتيال الإمام لتكررت المحاولة مئات المرات؛ لأنهم كانوا على يقين أن الموت وحده يردع علياً (عليه السلام) عن تنفيذ مشروعه.
إن عهده إلى مالك الأشتر (رضوان الله تعالى عليه) يكاد يكون ترجمة حرفية لنوع الدولة التي كان يريد بناءها، وهذا العهد بالرغم من حفاوة الباحثين به وبالرغم من تناوله بالدرس أكاديمياً وبحثياً إلا أنه لا زال ينضوي على أسرار تحتاج لمن يميط اللثام عنها فمشروع الدولة المدنية الذي تحدثت عنه في كتابي هذا هو إلماحة من إلماحات النهج.
إن ما يمكن استنتاجه من مفردات عهده (عليه السلام) إلى مالك الأشتر أن الدولة المدنية إذا لم تكن من بنات أفكار الإمام علي فإنه كان أكبر وأول المنظرين لفكرها والدعاة لها قبل ما يعرف بعصر التنوير بسنين طوال.
- نحن على يقين أن البحث في الفرادة عن الروح القيادية في شخصية الامام (عليه السلام)، ودراسة البعد الاقتصادي وحقوق الرعية تنمية روح الثقافة التنموية وقراءة مولاي أبي الحسن (عليه السلام) للفكر الرسالي، تعني رؤية معاصرة الى احتياجنا الى تلك السياسة اليوم الى افهام الناس أن الخلل في الحاكمين وليس في الحكومة الاسلامية.
إن الذين كانوا على خلاف هذا المنهج، هالهم أن يجد من يؤمن به ويتخذه شرعة، ولذا بذلوا الغالي والرخيص لينشئوا تكتلات تعترض المشروع العلوي من جانب، وتروج لفكرهم وعقيدتهم من جانب آخر، وتدافع عنهم وتحميهم أيضاً، وهؤلاء أخذوا على عاتقهم مهمة تسويق ما جاءت به السياسية بعد أن ألبسوه لباساً دينياً، فتحول إلى عقائد يتعبد بها الناس.
جميع هؤلاء تصدوا للمشروع العلوي الذي أراد أن يحدث نقلة في المجتمع تحرره من ربقة الخنوع بلا يقين، وأراد أن يعيد للإنسان إنسانيته بعيداً عن الاستغلال والطبقية والعصبية التي دعت لها النظم السياسية العربية الحاكمة، تصدوا دفاعاً عن مصالحهم وحماية لمكتسباتهم، وكان الدين هو المتضرر الأوحد.
ومن المؤسف انهم انتصروا، إذ لو كان الأمر خلاف ما صار إليه لوجدت اليوم أمة مسلمة تتغذى على الثقافة العلوية والفكر العلوي بدل أن تتجرع زقوم السياسيين.
إن حرماننا من تلك الفرصة، تسبب في سيطرة السياسيين على مقاليد الحكم، وقد أسس هؤلاء إلى ما نمر به اليوم حتى في نوع علاقتنا بالحكام.
خلاصة ما أريد قوله هو أن جميع ما وقع في المجتمع الإسلامي منذ انتقال رسول الله (ص) إلى الرفيق الأعلى وإلى هذه الساعة إنما هو بسبب الفكر القاصر الذي صادر العقيدة وحل محلها، وهذا يعني أن الإسلام بريء من حمل تبعات ومساوئ ما حدث بالأمس وما يحدث اليوم.
- كأنك تريد الحديث عن جذرية تأسيس الحكومة المهدوية؟
نعم، وهذا بالضبط ما أشرت إليه في خلاصة الكتاب، حيث تحدثت عن مقاربات ومقارنات بين مشروع الدولة المدنية في فكر علي بن أبي طالب (عليه السلام) والمشاريع الأخرى، وأكدت من خلال ذلك على:
1ـ أن الأديان أول من دعا إلى صون كرامة الإنسان، وأن هذه الكرامة لم تتحقق حتى في أرقى الحضارات حيث كان الإنسان فيها دون مستوى إنسانيته.
2ـ على مستوى التطبيق تكون الحكومة والقيادة من يجب أن يتولى صيانة كرامة الإنسان.
3ـ أن كرامة الإنسان لا تصان إلا بوجود الدولة العادلة.. أن الدولة العادلة لم تتحقق على أرض الواقع إلا في زمن حكومة علي (عليه السلام) وبشكل غير كامل؛ بسبب المشاكل التي افتعلها أعداؤه.
4ـ أن الدولة المدنية المعاصرة فشلت في تحقيق مشروعها النظري، ولا زالت تتلكأ.
5ـ أن الدولة المدنية الأسمى سوف تتحقق بقيادة دينية في زمن الإمام الحجة (عجل الله فرجه) وستكون أنموذجاً جديداً للحكومة العلوية.

لقد نص القرآن الكريم على أن الإنسان خليفة الله تعالى في الأرض، وبالرغم من اختلاف المؤولين والمفسرين في معنى هذا الاستخلاف، إلا أن ما يفهم منه أن مجرد إعطاء الباري سبحانه لعبده الإنسان هذا المركز يعني أن الإنسان كائن على قدر كبير من العظمة، وبالتالي لا يجوز أبداً أن يعامل بأدنى من هذه الدرجة التي وضعه فيها الله سبحانه، ولا يمكن لأي نظام حكم باستثناء نظام حكم الدولة المدنية الإسلامية أن يمنح الإنسان مثل هذه المنزلة، وبالتالي يكون مشروع الدولة المدنية في فكر الإمام علي (عليه السلام) محاولة لاسترداد كرامة الإنسان المهدورة، وسيأتي الإمام المنتظر ليكمل هذا المشروع الجبار، حيث يعود الإنسان سيداً على الأكوان كلها.