قد أستسيغ تقبيل يد أمي أو أبي، ففي ذلك شرف وكرامة، ولكني لا أستسيغ ولا
أرضا لأحد أن يقبل يد شخص آخر مهما علت منزلته ومهما كانت الحاجة إليه وإلى ما في
يده، فتقبيل اليد مذلة لا يرتضيها الحر لنفسه، ويأباها الكريم.
ولقد وجدت في موروث أكبر دولتين في الإسلام هما الدولة الأموية والدولة
العباسية حكاما ومحكومين يأبون ذلك. أما في الدولة الأموية فكان الخليفة هشام هو
من رفض أن يقبل عِقال يده، وقد جاء في الأثر: دخل عِقال بن شبة على هشام بن عبد
الملك وأراد أن يقبل يده، فقال: لا تفعل، فلم يفعل هذا من العرب إلا هلوع، ومن
العجم إلا خضوع!.
وأما في الدولة العباسية فإن إبراهيم العدوي هو الذي أبى أن يقبل يد
الخليفة أبي العباس السفاح بعد أن أمروهم بوجوب تقبيل يده تعظيما له، جاء في الأثر
أنه لما أفضت الخلافة إلى أبي العباس السفاح، وفدت عليه قريش، فأُمروا بتقبيل يده،
حتى دخل إبراهيم بن محمد العدوي، فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان تقبيل اليد يزيد
في القربة منك، لأخذت بحظي منه، وإنك لغني عما لا أجر لك فيه، وفيه منقصة لنا،
فقارَّه، ولم ينقصه من حظوظ أصحابه شيئا!.
وإنسان العصر الراهن أكبر من عقال ومن إبراهيم، فكيف يبيح لنفسه الأبية
الكريمة تقبيل يد من هو أصغر من هشام والسفاح حتى وإن كانت به حاجة وبيدهم الخير؟