لا زال المسلمون
مختلفين في شأن الصيام في السفر بين مانع ومبيح ومحبب، مع أنهم يتداولون حديث "ليس
من البر الصيام في السفر" كمسلمة من المسلمات، ويتفقون على صحته وتواتره.
المشكلة أنهم تركوا
البحث عن أسباب الخلاف أملا في الوصول إلى رأي واحد يجتمعون عليه، وانشغلوا في
البحث عن واحدة من الصيغ الغريبة التي روي بها ذلك الحديث، وهذه الصيغة الغريبة
موقوفة على شخص واحد؛ هو كعب بن عاصم الأشعري ـ وكان من أصحاب السقيفة ـ قال: سمعت
رسول الله(ص) يقول: "لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي
امْسَفَرِ".
والحديث بهذه الصيغة،
أخرجه عنه الإمام أحمد بن حنبل في المسند، ج5/ص434، والبيهقي في السنن الكبرى،
ج4/242. وأخرجه الطبراني في الكبير (19/172 ح 387) من طريق عبد الله بن أحمد بن
حنبل، عن أبيه به بلفظ: "ليس من ام بر ام صيام في ام سفر".
وحينما اصطدم
المسلمون بالجدار الذي أنشأه هذا النص الغريب، تكاثرت الأقوال المبنية على التأويل
والتعليل والمبني للمجهول، فقالوا عن صيغته:
ـ هي لغة بعض العرب.
ـ هي لغة لبعض من أهل
اليمن، أي لفئة محدودة جدا منهم.
ـ هذه لغة الأشعريّين،
يقلبون اللام ميماً، فيقولون: رأينا أولئك امرجال أي: (الرِّجال).
أما عن سبب وروده
بتلك الصيغة، فقالوا:
ـ يحتمل أن يكون النبي(ص) خاطب بها هذا الأشعري
راوي الحديث.
ـ يحتمل أن الإقلاب
جاء من الأشعري نفسه فحملها عنه الراوي.
وهكذا شغلنا أنفسنا
بالقيل والقال، وجانينا الاعتدال ومارسنا الاقتتال فقلت الفِعال وتقاربت الآجال،
وضاع المال!.