رؤى في كتاب ملكوت الروح
ولدَ من رحمِ قصيدٍةٍ... وترعرعَ في وطنٍ
يرثُ الفاجعةَ، ويورَّثُها لأبنائهِ، وكأنَّهُ لا إرثَ لهُ غيرها؛ فشبَّ مولعاً في
أداءهِ يُشبهُ الوجعَ العراقي. ودرجَتْ روحه كأنَّها بوحٌ شفيفٌ لا تستريحُ إلَّا حينما
تقتربُ من هالةِ الشِّعرِ فتحترقُ لتتركَ خلفها قبساً يتَّقدُ بالمعنى الرقيق.
بعدَ اطِّلاعي العاجل على ديوانهِ النثري
هذا: (ملكوتُ الروحِ)؛ وجدتُ (صالحاً) مقيماً بينَ أهلهِ... بعضُ أهلهِ؛ لأنَّ أكثرَهم
أكلهم الغول...(ملكوتُ الروحِ)؛ هو إقامةٌ موصولةٌ بالرحيلِ والغُربةِ والسفر والتجوالِ
للأرواح... هي تلكَ القدحةُ التي التهبتْ في وجدانه، وصبرهِ وخُبزهِ ومخدعهِ وفرحهِ،
حتَّى باتَ وكأنَّهُ شعبٌ من الحنينِ والانتظارِ والبُكاءِ والدمِ والشِّعر.
كما وجدتهُ في هذه القصائد منذوراً لنزواتِ
الإرهابِ والإرهابيينَ من السَّاسةِ الذينَ لا يطيبُ لهم الوضوءُ إلَّا بالدمِ الحرامِ
والمالِ الحرامِ، والتيمم بالتُرابِ المغصوب. لقد وجدتُ (صالحاً) في هذا الملكوتِ الثر؛
وكأنَّهُ شعبٌ بكاملهِ قد تأهبَ بكُلِّ ما يحملُ من طُهرٍ لكي يصلي على جثمان الوطن.
كانَ (صالحٌ) هذا؛ خريطةٌ من الشِّعرِ بما
يعني الشِّعرُ من دجلة والفُرات. وجدتهُ كُلَّ النخيل الذي لا يكفُّ عن الرطبِ والكربِ...
وجدتهُ ذلك الرازقي الذي ينامُ في البردِ وينهضُ معَ الشَّمسِ؛ فأذعنُ للصوتِ الذي
يأتيني من أعماقِ (صالح)، عندما يكونُ الألم الذي في داخلهِ عبارةٌ عن مناسبةٍ عراقيَّةٍ،
بلونٍ عراقيٍ جارحٍ ودبقٍ.
وأخيراً؛ إنِّي لأرى أنَّ (ملكوت الروح)؛
مُشتقٌّ من الروحِ وسُلطانِها... تلكَ التي تسكنُ العراقَ والعراقي... هي روحً الرجاء
الذي يمرُّ بالأوجاعِ فلا يخرجُ منها إلَّا مُجرَّحاً؛ وهنا سوفَ يتغلبُ الشِّعرُ على
شاعرهِ...
مُباركٌ لكَ أستاذنا المُفكِّرُ الكبير
والأديب الرائع د. صالح الطائي هذا المُنجزُ
الذي أقلّ ما يُقالُ عنهُ: (إنِّهُ رائع جداً).