25‏/03‏/2017

خرافة كثرة زوجات الإمام الكاظم (ع)/ بقلم سلام كاظم فرج







دراسة قيمة بقلم الأستاذ الكبير سلام كاظم فرج في كتابي "خرافة كثرة زوجات الإمام الكاظم (ع)
  
عن دار المرتضى للطباعة والنشر صدر للباحث الإسلامي صالح الطائي كتاب مهم عن حقيقة زيجات الرسول والصحابة والتابعين والأئمة .. وجرى التركيز على الخرافات والدسائس والمبالغات في حقيقة تلكم الزيجات من حيث عددها ونوعها ومبرراتها. تلك الدسائس التي دخلت التأريخ كحقائق مسلم بها في حين أنها وضعت في الأصل لأسباب سياسية بحتة هدفها النيل من الأئمة بواسطة كتاب ومؤرخين مأجورين من قبل بعض الخلفاء وما تلاهم من ولاة اتخذوا من النيل من الأئمة بكافة السبل وسيلتهم لتعزيز سلطاتهم القمعية والتغطية على حقيقة الجوهر النضالي للفكر المحمدي العلوي المتصدي للظلم الاجتماعي والطبقي آنذاك متمثلا بأبرز ممثليه بعد الإمام الصادق أعني الإمام موسى بن جعفر.
يتناول الفصل الأول من الكتاب رأي الإسلام في الجنس وحقوق المرأة الجنسية باعتبار أن الغريزة الجنسية جوهر الخلق الإنساني ووحدة الوجود ومبعث السكينة والاطمئنان والصحة النفسية.. وكيف أن النبي كان يوصي المؤمنين بالنساء خيرا وإيلاء حقوقهن ومنها الحقوق الجنسية الاهتمام والحرص الكبيرين وتوخي العدالة في توفير تلكم الحقوق/ لكنه يتناول أيضا طبيعة الحقب التاريخية التي مر بها التاريخ الإسلامي والضرورات الملجئة لإباحة تعدد الزوجات أحيانا .. والظروف القاهرة التي جعلت من تعدد الزوجات ظاهرة بارزة على مر العصور الإسلامية, تلك هي ارتباك النسبة العددية بين عدد الرجال وعدد النساء بشكل ظاهر وكبير بسبب تحديات الحروب وكثرة القتلى من الرجال مما ترك جيوشا من الأرامل والأيتام . لابد أن يضع المسلمون الأوائل لها الحلول. ويقارن الباحث بين نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية وما تركتا من آثار مدمرة على النساء والأخلاق ومعضلة حل تلك الإشكالات ,. وبين ما تركته حروب المسلمين الأولى التي لم تجد غير احتواء تلك الإشكالية بالزواج الشرعي من أرامل رفاق دربهم بما يصون كرامتهن وكرامة أولادهن وبناتهن. وقد ضرب الرسول مثلا بذلك فتزوج على سبيل المثال أم سلمة تقديرا واحتراما لموقفها وموقف زوجها الباسل في معركة أحد..
ونجد هناك شرحا مفصلا لمعنى أن تهب المرأة نفسها للرسول أو لغير الرسول.. يختلف عما تروجه بعض الكتابات المغرضة إذ يرى الباحث الأستاذ الطائي أن في ذلك دليلا على حرية المرأة في اختيار الشريك. وجرأة لا تقل عن الجرأة التي تحملها المرأة المعاصرة .. لن يستطيع فهمها التقليديون. ولا المتربصون بالإسلام شرا.. أن تهب المرأة نفسها يعني أنها تمتلك زمام أمرها وحريتها في طلب الشريك .. وفق الشريعة..
من الصعب الإحاطة بكل مظان الكتاب الممتع والذي وجدنا فيه ما لم نجده في الكثير من كتب التراث من تحليل علمي رصين .. وتوخي تناول أكثر الروايات دقة مع اعتماد على التحليل المنطقي للأشياء والأحداث وتناولها وفق سياقها المعروف وما كانت عليه المجتمعات من قيم موروثة تلاقحت مع مبادئ الإسلام.. ومحاولة عزل الخرافة عن الحقيقة التاريخية البحتة .. والتدقيق في الأساطير.. والتحذير من الإسرائيليات الدخيلة على أحاديث التابعين وألاعيب السياسة.. ومؤامرات الخصوم. على سبيل المثال الحديث الذي يتحدث عن أن النبي سليمان قد طاف في ليلة واحدة على مائة زوجة وجارية. أو انه امتلك من الزوجات وما ملكت أيمانه ما تجاوز السبعمائة مما لا يعقله عاقل او يتقبله منطق. وكذا الأمر جرى ويجري ولأسباب سياسية في تلفيق الروايات المكذوبة على أئمة أهل البيت وقد نال الإمام الكاظم الجزء الأعظم من تلكم التلفيقات بحيث ادعى من ادعى انه قد تزوج أكثر من خمسين ما بين سيدة حرة وجارية .. ويخصص الباحث الطائي أكثر من فصل لتفنيد هذه الفرية بالشواهد والأرقام والإحصائيات لنتعرف إلى أن الإمام عليه السلام قد توفي مسموما وهو في السجن عن عمر لم يتعد السادسة والخمسين سنة .. وقد استغرق عمره زمنا شهد خلافا قويا وصراعا دمويا على السلطة بين العباسيين وبني عمومتهم العلويين جرى تصفية المئات من نسل علي أشهرهم محمد النفس الزكية وشقيقه إبراهيم. وقد جرت تصفية الإمام الصادق وموته مسموما لكي يتحمل بعده الإمام الكاظم مسؤولية قيادة الكتلة التاريخية المعارضة الكبيرة لعموم ( العلويين والطالبيين وأنصارهم من المسلمين) في ذلك الزمان وما تتطلبه من قلق وتوجس وتقية وتصدي وتنظيرات وخطط؟ إضافة إلى ما تنقله الأخبار عن مصارع أتباع هذه الكتلة الكبيرة في الأمصار. او سجنهم او تشريدهم . ناهيك عن التصدي للانشقاقات الفكرية والحزبية في ذات الحركة العلوية المناوئة للسلطة العباسية المتعسفة واختلاف الرؤى في سبل التصدي لتلك الحكومات مما يتطلب اشتغالا فكريا مضنيا من قبل زعيم المعارضة آنذاك ألا وهو الإمام الكاظم نفسه ..
كذلك ما تعنيه الحقوق الشرعية من حفظ أموال الحركة ونجدة الملهوف والمعوز من الأنصار. كل ذلك لا يتم الا بإشراف الإمام.. وإذا عرفنا أن الإمام قد قضى سبع سنين مابين سجون الخليفة العباسي المهدي وسجون ولده الهادي ثم سجون ولده الثاني الرشيد.. والارتحال المضني في الأمصار نعرف أن حكاية زواجه من خمسين امرأة او حتى أربع نساء محض خرافة ابتدعها الخصوم والملفقون الخصوم وصدقها بعض العوام بغضا او جهلا. وتلقفتها الأقلام المريبة.. ويحضرني في هذا المقام رأي وجيه كتبه أحد الأفاضل عن التزييف التاريخي لحقيقة أعمار بعض زوجات النبي او الصحابة والتي ثبتت كحقائق مسلم بها في حين أنها من تلفيقات الخصوم .. وإذا علمنا أن كتابة الأحاديث النبوية والسير النبوية قد جرى بعد قرنين من وفاة الرسول وكل مجايليه من الصحابة .. نكون على قدر عال من الشك بحقيقة تلك السير والكثير من الاحاديث الموضوعة سواء على لسان الصحابي ابي هريرة او غيره من الصحابة.
وإذا علمنا أن أبا هريرة قد توفي عام 58 هجرية بينما كانت وفاة الإمام البخاري جامع الأحاديث الأكثر شهرة وقبولا في عام 256 .. نعرف إن مائتي سنة تفصل بين الرجلين..في زمن كان التدوين فيه من أشق المهام ناهيك عن تدخل الولاة والسلاطين في تحريف المعلومة تبعا للأهواء. رغم أننا ننزه البخاري مما نقول.. لكننا لا نستبعد حصول مثل تلك الشبهات حول عمر زوجات الصحابة او الرسول او الأئمة. وقد بحث الأستاذ الطائي بشيء من التفصيل محاولات التضليل التي اتبعها البعض من الخلفاء الأمويين والعباسيين للإساءة إلى الرسول والأئمة من خلال تبرير ما هم عليه من حب الشهوات واقتناء الجواري. وفق مقولة ( رمتني بدائها وانسلت )..
ما أريد أن أقوله في هذا المقام وبعد توجيه الشكر والتقدير للباحث الجليل صالح الطائي على هذا الجهد الكبير. ما دامت أن أكثر الروايات قد تكون مدسوسة ومبالغ فيها وكتب اغلبها في فترات تعج بالفتن والاضطرابات والمساومات الرخيصة بين الولاة راكبي موجات الطائفية..أوقد تكون لبعض تلك الممارسات تبريراتها التاريخية كحفظ كرامة الأرملة في المجتمع الإسلامي كما فعل الخليفة ابو بكر الصديق في زواجه من أسماء بنت عميس أرملة جعفر الطيار. وحين توفي ابو بكر تزوجها علي بن أبي طالب وتربى كل من أولاد الطيار وأبي بكر من أسماء (محمد بن ابي بكر) في كنف الإمام... أقول مادامت كل تلك الرؤى وليدة مرحلة صعبة وقاسية فما بالنا نلح عليها ونحاول ان نعيد تثبيتها بطريقة النسخ التام دون تمحيص ونقننها في قوانين مرحلة مختلفة تماما.. (مرحلة التصويت على القوانين بروح معاصرة تعتمد الأغلبية المطلقة )
في زمن لا تتوفر هذه الأغلبية حتى في إقرار موازنة البلاد السنوية التي تعتبر من ركائز بناء البلد وحفظ بناه التحتية ؟؟ أو التصويت على قانون بسيط غير معقد مثل قانون النفط والغاز؟؟

إن النقل الحرفي لمعطيات العصور الإسلامية الأولى وتوظيفها وفق معطيات هذا العصر يضر بالدين أكثر مما ينفعه. هذا ما فهمته من كتاب الأستاذ الطائي . وليعذرني فقد فاتني أن أنوه بالكثير من الفرضيات والتنويهات المهمة التي تضمنها الكتاب.. مما لا تتحمله مقالة ولا مقالتان. فالكتاب فخم وغني ويحمل من روح المعاصرة الكثير..