22‏/06‏/2019

بوق القيامة في الأديان









مشترك آخر من مشتركات الأديان الإبراهيمية الثلاث، يدل على وحدة المصدر بشكل لا يقبل اللبس، هو موضوع النفخ في البوق، الذي يبدو حتى مع وجود آراء شخصية تحاول حرف قيمة اشتراكه بينها بعيدا عن مقاصدها الحقيقية، يبدو ركيزة لقاعدة الدفاع عن الأديان الثلاث بوجه من يشكك بمصدرها الرباني.
يذكر أن الإشارة إلى البوق جاءت في أكثر من موضع من مواضع الكتب السماوية المقدسة الثلاث، منها (50) مرة في الكتاب المقدس، خمس وثلاثين مرة في العهد القديم (التوراة)، ومع أن المقصود بالبوق يختلف توراتيا من مكان إلى آخر، إلا أن الكثير من الاشارات الأخرى للبوق ترتبط بالحرب والدعوة لها كما في سفر أيوب: (عِنْدَ نَفْخِ الْبُوقِ يَقُولُ: هَهْ! وَمِنْ بَعِيدٍ يَسْتَرْوِحُ الْقِتَالَ صِيَاحَ الْقُوَّادِ وَالْهُتَافَ).
ويحتفظ اليهود اليوم في معابدهم بالشوفار وهو قرن كبش, يُنفخ فيه في صلاة الصبح خلال الشهر الذي يسبق عيد رأس السنة العبرية, وفي يوم العيد نفسه, وفي يوم الغفران أيضا. وكان الشوفار قد استخدم بداية لدعوة الناس للخروج إلى الحرب، وللتحذير عند اقتراب العدو، وأثناء وجود خطر قريب. ويستمع اليهود في رأس السنة لتسع نفخات بالشوفار.
أما في العهد الجيد (الإنجيل) فقد تكرر ذكر البوق خمس عشرة، وتكرر ذكره في القرآن ـ الذي وردت فيه الإشارة إلى البوق بترميز مختلف ـ اثنتا عشرة مرة.
إن للنفخ بالبوق معانٍ عديدةٍ، أهمها وأعظمها الإيذان بالعودة إلى الله تعالى والقيامة الموعودة، وهذا ما اتفقت عليه المسيحية والإسلام وحرفه اليهود في ادعائهم أنه العودة بعد السبي البابلي استنادا إلى ما جاء في التوراة: (عندما يرجع المسبيون والمشردون واللاجئون من الاراضي بين النهرين ومصر الى فلسطين سيضرب ببوق عظيم احتفالاً بالعودة بعد طول غياب ولم الشمل بعد الشتات (أشعيا 13:27). فضلا عن ذلك يتخذ اليهود البوق آلة احتفال لهم في مناسباتهم، مع أن هناك في سفر الرؤيا حديث عن سبعة أبواق وليس بوقا واحدا، والظاهر أنهم أوقفوا الأبواق في التوراة  على الفرح والاحتفال والدعوة للحرب والوعيد والانذار وغير ذلك، وما كان صريح التصريح منها بالقيامة حرفوه بعيدا عن معناه.
أما المسيحيون فإنهم وقفوا عند قول السيد المسيح(عليه السلام): "وحينئذ تظهر علامة ابن الانسان في السماء، ويبصرون ابن الانسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير، فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت، فيجتمعون مختاريه من الاربع رياح، من اقصا السموات الى اقصاها" (متى 30:24-31). بمعنى أنهم ربطوا البوق بعودة السيد المسيح إلى الأرض ثانية، وهم من خلال ذلك أشاروا إلى علاقة البوق بيوم البعث إشارة حرفية، ولاسيما وأنهم أطلقوا عليه في مكان آخر اسم "البوق الأخير" كما في قول بولس الرسول: (في لحظة، في طرفة عين، عند البوق الاخير، فانه سيبوق، فيقام الأموات عديمي الفساد ونحن نتغير) (1 كورنثوس 52:15). والملاحظ على هذا النص أنه ترجم بتغيير في الكلمات فجاء: (في لَحظَةٍ وطَرفَةِ عَينٍ، عِندَ صَوتِ البوقِ الأخيرِ، لأنَّ صَوتَ البوقِ سيَرتَفِعُ، فيَقومُ الأمواتُ لابسينَ الخُلودَ ونَحنُ نَتَغَيَّرُ). (1 كورنثوس 15: 52).
العقيدة الإسلامية وحدها لم يرد فيها ذكر البوق بهذا المعنى، بل ورد بأسماء أخرى منها "الصور" والصور هو البوق أو ما يشبهه تبعا لقول مجاهد في قوله تعالى {ونفخ في الصور}، قال: "كهيئة البوق".
إن النفخ في الصور إسلاميا هو  أول مرحلة من مراحل القيامة الكبرى، مثلما يتضح من مجموعة الآيات التي تتحدث عن النفخ في الصور، للدلالة على النفخ في البوق وهذا ما يفهم من خلال معرفة معنى الصور، فالصور كما قال الراغب الاصفهاني:  هو: القرن الفارغ الذي يُخرج صوتا حينما يُنفخ فيه كالبوق، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال أعرابي: يا رسول الله ما الصور؟ قال: "قرن ينفخ فيه" (سنن الترمذي، حديث: 3244)، والآيات التي وردت فيها مفردة (الصور) هي قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } (الزمر: 68)  وقوله تعالى: { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِين} (النمل: 87) وقوله تعالى: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} (النبأ: 18) وقوله تعالى: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ}(يس: 51)
وهنا سنفهم من خلال وقفة صغيرة مع  الآية 68 من سورة الزمر، والآية 87 من سورة النمل، وهو قوله تعالى: (إلا من شاء الله) مقدار الآراء التي طرحت حول هذه المسميات، إذ هناك عشرة أقوال فيمن سيستثنى من صعقة النفخ في الصور،
الأول: أنهم الموتى كلهم لكونهم لا إحساس لهم فلا يصعقون
الثاني: عن سعيد بن جبير موقوفا هم الشهداء
الثالث: الأنبياء
الرابع: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ثم يموت الثلاثة، وبعدها يقول الله لملك الموت: مت، فيموت.
الخامس: حملة العرش لأنهم فوق السماوات.  
السادس: الأربعة المذكورون وحملة العرش.
السابع: نبي الله  موسى وحده من بين الانبياء.
الثامن: الولدان الذين في الجنة، والحور العين.
التاسع: الولدان وحور العين وخزان الجنة والنار، وما في النار من حيات وعقارب.
العاشر: الملائكة كلهم.
ويدلل هذا على أن اغلب ما وصلنا عن تلك المرحلة من عمر الكون عن طريق الديانات الثلاث؛ هو مجرد آراء أغلبها تبحث عن سند مقبول.
وفي الوقت الذي لا نجد فيه موقفا ثابتا من عدد المرات التي ينفخ فيها بالبوق من أجل البعث والقيامة في الديانتين اليهودية والمسيحية، فإن العقيدة الإسلامية بمدرستيها الفقهيتين تتحدث عن نفختين، في الأولى يحدث الصعق، وفي الثانية يحصل البعث والنشور، استدلالا بقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّه ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} (الزمر: 68) وتبعا لما ورد عن ابن عباس: "الناقور الصور، الراجفة النفخة الأولى والرادفة النفخة الثانية".
ويمكن ملاحظة أن الديانة المسيحية تتحدث عن الصعقة على أنها الدهشة التي انتابت الخليقة السمائية، والتي بسببها (حدث سكوت في السماء) حسب تعبير الإنجيل!.
وهناك بين المسلمين من أضاف نفخة ثالثة قبل نفخة الصعق، أطلق عليها اسم: نفخة الفزع استدلالا بما ورد في قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (النمل: 87)، وارى أن هذا فهم خاص يرقى إلى درجة اليقين، والمقصود به صرخة أو نداء أو فزعة تخص المهدوية وحدها، جاء في غيبة الطوسي، عن أبي حمزة الثمالي عن الصادق (عليه السلام)، قال: "ينادي مناد من السماء أول النهار يسمعه كل قوم بألسنتهم: ألا إن الحق في علي وشيعته". وعنه (عليه السلام) أيضا، ورد في غيبة النعماني: "ولا يخرج القائم حتى ينادى باسمه من جوف السماء... قلت: بم ينادى؟ قال: باسمه واسم أبيه، ألا إن فلان بن فلان قائم آل محمد فاسمعوا له وأطيعوه، فلا يبقى شيء من خلق الله فيه الروح إلا يسمع الصيحة". وهذه لا علاقة لها بالنفختين الأخيرتين، مع أن هناك في الكتب السماوية المقدسة الثلاث أحاديث عن الصرخة أو الصيحة، تبدو أحيانا وكأنها تقصد الصور أو البوق وتبدو في أحيان أخرى بعيدة عنه وتسبقه زمانيا، فعلى سبيل المثال هناك في القرآن الكريم تسميات مثل: الفزعة، النداء، الصوت، الصيحة، وكأنها مشتركة في المعنى. وجاء في الإنجيل عن هذه الصرخة: (ثم نظرت وسمعت ملاكًا طائرًا في وسط السماء، قائلًا بصوت عظيم: ويل، ويل، للساكنين على الأرض من أجل بقية أصوات أبواق الثلاثة الملائكة المزمعين أن يبقوا). وهذا مقارب لما ورد في غيبة النعماني، عن الإمام الباقر (عليه السلام): "لا يبقى راقدٌ إلّا استيقظ... فزعاً من ذلك الصوت"، ولا أدري هل يقصد بالراقد الميت أم الشخص النائم، مع أن ظاهر الحديث يقصد الشخص النائم بدلالة حديث آخر عنه (عليه السلام): "والفزعة في شهر رمضان...آية تخرج الفتاة من خدرها".
والذي أراه أن ما اتفقت أو اختلفت بشأنه الأديان في موضوع الصرخة يمكن تلخيصه بأنه صوت عظيم تفزع له المخلوقات الميتة والحية، يتكرر حدوثه، وهذا من الممكن الاستدلال عليه بآيات قرآنية لم يرد فيها ذكر الصور بل ورد فيها ما يرادف الصرخة منها:
ـ الصيحة: كلمة تطلق على جميع الأصوات العالية. وردت في القرآن الكريم اثنتا عشرة مرة، منها في سبعة مواضع في ظاهرها تعني نزول العذاب: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} ﴿٦٧ هود﴾ و{وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} ﴿٩٤ هود﴾ و{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} ﴿٧٣ الحجر﴾ و{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ} ﴿٨٣ الحجر﴾ و{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً} ﴿٤١ المؤمنون﴾ و{وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ} ﴿٤٠ العنكبوت﴾ {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} ﴿٢٩ يس﴾ و{مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} ﴿٤٩ يس﴾ و{إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} ﴿٥٣ يس﴾ و{وَمَا يَنْظُرُ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} ﴿١٥ ص﴾ و{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} ﴿٣١ القمر﴾ و{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} ﴿٤ المنافقون﴾، وكل هذه الصيحات جاءت بمقاصد مختلفة، بما يدل على أن هناك الكثير من الصيحات التي جاءت لتهلك أقواما فسقوا ولم يؤمنوا، لكن من بينها آية تشير صراحة إلى أن الصيحة الأم والأساس تكون في يوم البعث والنشور، كما في قوله تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} ﴿٤٢ ق﴾
ـ النقر في الناقور: والنقر هو: الطرق، قال تعالى: {إِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}(المدثر:8-10). وقال الراغب: قرع الشيء المفضي الى النقب.. والناقور الصور. وهذا يعني أن الآية تشير إلى الصور أو البوق.
ـ الصاخَّة: وهي من الصخ وهو الصوت الشديد الذي يصمُّ  الآذان. قال تعالى: {فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّة * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه*ِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}(عبس:33-36). وهي الأخرى تدل على الصور والبوق.
ـ الـقـارعـة: والقرع هو ضرب شيء على شيء وهو الطرق الشديد الذي ينبعث منه صوت عال ومنها (المقرعة). قال الله تعالى: ﴿وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ﴾(الرعد:31). وقوله: {كذبت ثمود وعاد بالقارعة}[[الحاقة: 4]] وهي آيات تمهد من خلال ذكر القارعة إلى الحديث عن القارعة الكبرى التي هي الضرب بالصور مثلما يتضح من قوله تعالى: {القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة}[[القارعة: 1ـ3]]
ـ الزجرة: الـصـيحة، والزجر: الطرد بصوت، قال الله تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} (الصافات:19) و{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} ﴿١٣ النازعات﴾ و{فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} ﴿٢ الصافات﴾ وهذه الآية حتى مع تحديدها الزجر بواحدة إلا أنها تشير إلى الصور أو البوق.
بمعنى أن هناك ظواهر صوتية غير مألوفة مر بعضها على الأقوام القديمة فأهلكهم، وسيمر الباقي منها على آخر البشر الموجودين على ظهر الأرض، فيهلكهم، ثم يجمع الأولون والآخرون من خلال الصوت الأخير صوت البوق لكي يخوضوا امتحان التخرج وهو الامتحان الأصعب.