21‏/09‏/2019

هاجس الخوف من المخدرات








كنت قد نشرت بتاريخ السبت، 28 أبريل 2012 مقالا بعنوان "هاجس الخوف من المخدرات" في صحيفة بلادي الورقية وعدة مواقع الكترونية، وكنت آمل أن تتخذ الحكومات المركزية والمحلية الحيطة والحذر وتبادر إلى اتخاذ الإجراءات الرادعة التي تحول دون استفحال ظاهرة تعاطي المخدرات، لكن نظرا لتردي الحالة وسعة انتشار الظاهرة وشيوع تعاطي المخدرات والمواد المهلوسة حتى في المدارس الابتدائية، أعيد نشره مع بعض التعديلات، وكلي أمل أن يبادر الشرفاء لاتخاذ خطوات علمية مدروسة للحد من انتشار هذا التخريب والدمار:


لا يخفى على أحد أن المخدرات تجارةً وتداولاً واستخداماً باتت من المسلمات البديهية في أغلب دول العالم، لدرجة أنها أصبحت من ضروريات الحياة، لدرجة أنها دخلت ضمن وصفات الأطباء العلاجية في بعض البلدان الغربية، يصفونها لبعض المرضى النفسيين، ولبعض حالات الكآبة الشديدة وغيرها، وبات أمر الحصول عليها أمرا لا يحتاج إلى كثير عناء، فضلا عن تدني أسعارها نسبة الى أسعارها القديمة، وذلك بسبب الوفرة والانتشار والتنوع ووجود المخدرات الكيميائية المصنعة التي يتم انتاجها في مختبرات خاصة وسرية لا تحتاج إلى مساحات كبيرة.
وفي بلداننا العربية والإسلامية، ربما بسبب الضغط المجتمعي والديني والأسري، والقوانين المشددة التي تصل إلى حد الإعدام، بدا وكأن المخدرات غائبة عن الحياة العامة، مع أن انتشارها والتعامل بها لا يقل مستوى عن باقي البلدان، ولكن التعامل بها ومعها يتفاوت بين بلد وآخر، فتنتشر عادة في البلدان الفقيرة والغنية بشكل كبير وفي البلدان المتوسطة بشكل ملحوظ.
وفي العراق بالذات، كانت المخدرات فاشية قبل التغيير وبشكل طاغ، ولكن التعامل بها كان يتم بسرية فائقة، لأن القانون العراقي يحكم بالإعدام على التاجر والناقل والبائع والمستهلك والحائز، مهما كانت الكمية التي يتم العثور عليها، ومع أن الإحصائيات الخاصة (إحصاءات الجهات الأمنية والحزبية) أشارت إلى العدد الكبير من الذين ألقي القبض عليهم وإلى الكميات الكبيرة التي عثر عليها بحوزتهم، إلا أن مجرد الحديث عن ذلك، كان من الممنوعات التي يشدد عليها النظام، لكي لا تتلوث سمعته وتهتز صورته في المحافل العربية والإسلامية، بما لا يتناسب ومع ما كانوا يسمونه (الحملة الإيمانية) التي كان يُروج لها النظام إعلاميا، ولكنه يُعمل بخلافها على أرض الواقع.
أما بعد التغيير الذي حصل في عام 2003 ولأسباب كثيرة غاية في الأهمية، منها: دخول تنظيم القاعدة الإرهابي، وضعف الرقابة الأمنية بسبب انشغال قوات الأمن في متابعة العمليات الإرهابية وحماية المواطنين من شر الإرهاب، فضلا عن غياب منظومة الاستخبارات، وانعدام المتابعة الرسمية، وضعف الرقابة الأسرية والمدرسية وحتى المجتمعية، فضلا عن انتشار ظاهرة البطالة ولاسيما بين الشباب، والامتناع عن تعيين الخريجين بسبب أوامر البنك الدولي، وضعف الوازع الديني، وفتح الحدود بسبب غياب قوات الحدود، أو وجود الثغرات، وارتفاع عدد المناطق الساخنة التي كان يتعذر على قوات الجيش والشرطة الدخول إليها، مما سمح لتنظيم القاعدة في تحويل الأراضي الصالحة للزراعة فيها إلى مزارع لأصناف من المخدرات لتمويل عملياته، فضلا عن ذلك ارتفاع نسب تآمر البلدان المحيطة بالعراق، وتفشي حالة الفوضى الخلاقة التي أسهم المحتل الأمريكي في نشرها بين أطياف المجتمع العراقي، وأخيرا وليس آخرا حالة العداء الطائفي الدموي التي أباحت استخدام كل ما يلحق الأذى بالآخر، حتى ولو كان منافيا للشريعة، أسهمت جميع هذه الأسباب، فضلا عن أسباب كثيرة أخرى في اتخاذ الأراضي العراقية موطنا لزراعة وبيع المخدرات، وممر عبور لإيصال المواد من بلد إلى آخر من البلدان المجاورة، فتحولت المخدرات من قضية لا يجوز التحدث عنها إلا همسا إلى ظاهرة علنية معروفة ومشخصة، منتشرة بين الشباب والأطفال ولاسيما في الأحياء الفقيرة، وبشكل إدمان فعلي في أعلى مراحله، لأنها توفرت بشكل أنها معروضة على الأرصفة في بعض المناطق، وهذا يستوجب من الجهات الرقابية والتنفيذية ومنها القوات الأمنية والدوائر الصحية أن تولي اهتمامها الكبير للظاهرة بدرجة لا تقل عن درجة اهتمامها بالإرهاب بل أكثر، وهو الأمر الذي لم يحدث لأسباب معروفة قد يكون من ضمنها عدم لا أبالية السياسيين والحكام المعاصرين. ولذا عجزنا عن الحد من انتشار الظاهرة التي وجدت الأرض الخصبة للانتشار، وتحولت إلى خطر داهم تصعب معالجته والتخلص منه.
واجد أن من واجبات حكومة المركز والحكومات المحلية أن تولي هذه الظاهرة من الأهمية ما يتناسب مع درجة تخريبها، وبشكل لا يقل عن درجة اهتمامها بمكافحة أي خطر يتهدد أمن وسلامة البلد، فمسؤولية حماية الشباب تقع على عاتق الحكومة أولا، وعلى المؤسسة الدينية ثانيا، وعلى المجتمع كله ثالثا، وعلى الشباب انفسهم رابعا، وعلى عاتق جميع العراقيين الشرفاء خامسا، ولاسيما وأن المخدرات يتم تعاطيها الآن حتى في المدارس الابتدائية.