ذكرني تقاتل السياسيين العراقيين على المناصب وتهافتهم على المكاسب بحادثة،
وقعت في عصر هارون الرشيد، فأردت عرضها عليكم، لتعرفوا مقدار التغيير الذي أصاب
الناس بين اليوم والأمس:
جاء في كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة أن قاضي قضاة هارون الرشيد مات،
فأراد تنصيب قاض بدلا عنه، فرفعت إليه تسمية عشرة رجال من خيار الناس وعلمائهم وأشرافهم، فأمر بهم، فأدخلوا عليه ليتفرس فيهم، فنظر إلى رجل منهم، توسم فيه
الخير والعلم، فقال له: ما أسمك؟ قال: معشوق.
قال: فما كنيتك؟ قال: أبو الهوى.
قال: فما نقش خاتمك؟ قال: دام الحب دام وعلى الله التمام.
فقال له: قم، لا قمت.
ثم دعا بالآخر، فقال له: ما نقش خاتمك؟ فقال: مالي لا أرى الهدهد أم كان من
الغائبين، فقال له: اخرج، فخرج.
فلما خرج دعا الرشيد بيحيى بن خالد بن برمك، وكان هو الذي رفع إليه أسماءهم،
فعنفه، وقال له: رفعت إلي أسماء المجانين! قال: والله ما في العراقين أعقل من
الرجلين، ولا أفضل منهما، فقال: ويحك إني لمست فيهما جنونا، فقال يحيى: إنهما
والله كان كارهين لما دعوتهما إليه، وإنما أرادا التخلص منك. قال: ويحك أعدهما
علي، فطلبا فلم يوجدا.