يرجع تاريخ المزادات
العلنية إلى ما قبل الميلاد، وتحديدا إلى الحضارة البابلية، حيث كان يجرى مزاد
سنوي تُباع فيه النساء للزواج. ومن بابل عرف العالم المزادات، ونظمها عبر التاريخ.
والمزاد العلني عملية عرض سلعة أو خدمة ما أو مجموعة سلع بعضها عادية جدا وبعضها
الآخر نادرة جدا للبيع لمن يدفع أكثر وصولا إلى السعر الأعلى؛ الذي لا يستطيع أحد ان
ينافسه حيث يتوقف المزاد، ويرسو على صاحب أعلى سعر. وربما ينظم المزاد لبيع قضايا
رمزية من أجل تنظيم حملة ما كأن تكون في سبيل دعم أبحاث عن الأمراض أو مساعدة بلد
ما فقيرا وغير ذلك.
ومنذ أن عرف
العالم المزادات كانت هناك الكثير من المزادات الغريبة والنادرة والمخجلة أيضا،
منها المزاد الذي نظمته دار "فيليبيس"، وبيعت فيه ساعة الممثل الأميركي
"بول نيومان"، وهي من نوع "رولكس" بمبلغ 17.8 مليون دولار في نيويورك.
ومنها المزاد
الذي نظمته دار "سوثبي" للمزادات في نيويورك وبيع خلاله أول كتاب تمت طباعته
في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1640 في كامبريدج بولاية ماساتشوستس وهو بعنوان
"مزامير الخليج" The Bay
Psalm)) مقابل 14.2 مليون دولار، ليصبح بذلك أغلى كتاب
يباع في مزاد علني في التاريخ.
ومنها ما ذكره
تقرير الثراء العالمي لعام 2014 عن شراء ثري خليجي
ساعة من مزاد لندن سعرها خمسة ملايين جنيه إسترليني، وهي الساعة الوحيدة من نوعها التي
صنعتها الشركة.
وتقديم أمير عربي
من أمراء الخليج عرضا إلى عارضة الأزياء الألمانية "كلوديا شيفر" بمبلغ
1.5 مليون دولار مقابل أن تتناول معه العشاء، ولكنها رفضت العرض، ووافقت عليه عارضة
أخرى.
وقيام أحد الأثرياء
العرب بشراء قطعة داخلية من ملابس لاعبة التنس المعتزلة "آنا كورنيكوفا"
بالمزاد مقابل مبلغ 30 ألف دولار.
ومن المزادات
الغريبة عرض نظمته فتاة أمريكية لبيع عذريتها من أجل الحصول على تكاليف ودراستها، وفاز
بالمزاد رجل من الإمارات العربية المتحدة مقابل مبلغ قيمته 2.5 مليون يورو.
أما في العراق
فإن المزادات كانت الباب الذي باع من خلاله العراقيون أثاث بيوتهم وملابسهم
وأوانيهم وملاعقهم وسكاكينهم وأبواب وشبابيك بيوتهم أثناء الحصار الجائر في
تسعينات القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت والمزادات العراقية مجرد واسطة للبيع
والشراء والمكسب البسيط لا يوجد فيها ما يجلب الانتباه.
أما أغرب مزاد
في تاريخ العراق والعرب والعالم فهو المزاد الذي نظمه مهرجان الكوت نت لاختيار
الأفضل في واسط لعام 2017 بنسخته الحادية عشرة، وتم خلاله بيع قنينة كولا معدنية
فارغة بمبلغ مليون دينار عراقي.
وقد بدأت
القصة مع إعلان الأستاذ باسم الشمري على هامش المؤتمر تنظيم مزاد صوري لجمع مبلغ
من المال لإعانة رجل معوق فقير يعمل بجمع قناني الكولا الفارغة من الطرقات وبيعها مقابل
مبلغ بخس ليعيل عائلة الكبيرة، وقد تناخى الحاضرون، وجمعوا مبلغا لا بأس به قدموه
هدية، وهنا تقدمت الست نسرين عبد الرؤوف وهي من سيدات المجتمع الواسطي بعرض لشراء
القنينة المعدنية الفارغة بمبلغ مليون دينار.
لا أخفيكم أني
بكيت حينها ليس لكرم ونبل أهل واسط، فذلك أمر مفروغ منه، ولكن بسبب التداعيات
الفكرية التي خلفها هذا الفعل الرائع في كياني، فقد أعاد لي هذا العمل الكبير كل
صور المزادات الوقحة التي أجريت عبر التاريخ، والتي ذكرت بعضها في أعلاه، وهو ما
دفعني لأقارن بين شرف العراقيين ونبلهم ونخوتهم، بالعابثين من العرب؛ الذين قدموا
ملايين الدنانير من أجل قطعة ملابس داخلية أو ليلة حمراء تافهة، وحينها آمنت أن كل
ما يصيب العراقيين لن يثنينهم ولن يدفعهم إلى التنازل عن إنسانيتهم، وسيبقى
العراقيون يُعلمِّون العالم معنى أن يكون الإنسان إنسانا لينتصر.